في الماضي كان العراق كله قراء بدرجة امتياز ليس فيه راوي معروف او شاعر يشار له بالبنان او قاص ترك بصمة على جبين الأحداث الا من قلة تناثرت هنا او هناك وقد لا تلبث الا قليلا ثم تغادر الوطن هربا او هجرة ومن ينجح في البقاء عليه ان يهادن السلطة او يكون بوقا لها وكان العراق يستورد الكتب الأدبية من رواية وشعر وقصة ونقد وفن من كل المناشيء ون تردد حتى فاضت المخازن والمكاتب والبيوت بدواوين شعراء العالم وروايات كبار مبدعيه ومجاميع القصة القصيرة وبسبب هذه الوفرة صنعنا اسواقا للكتب الأدبية المستوردة والتي تقادم عمرها واتسعت شهرتها نقيمها كل جمعة في الأماكن العامة وتحولت عربات الحمالين من نقل بضائع المتسوقين إلى معارض متجولة للكتب الأدبية واشترينا دستوفسكي وهمنغواي وزيفاريج وديكنز وزولا ب ( ربع ) اي كل رواية بدرهم وقد نستبدلها في أسبوع آخر من دون فرق في السعر ومارسنا القراءة بشغف وتفاخر حد الجنون وفوق هذا وذاك كونا مجموعات تتبادل قراءة الروايات حتى وآن تباعدت الأماكن وهكذا بنيت ثقافة أجيال حتى وصل تمكن ( البعث ) من الإمساك تماما بمقاليد السلطة فتغير الحال واعدنا تداول قديم ما استورد من علن ببعضا من خوف وتحول البعض من قراء ادب إلى كتاب ( تقارير ) ومات الكثير من القراء جراء هذه التقارير لا لسبب الا لانهم احتفظوا برواية ( الام ) لمكسيم غوركي او غيرها من الأسماء التي باءت برفض النظام لها وللأمانة كانت الروايات والدواوين ومجاميع القصص وكتب النقد تحمل فحوى وفائدة جناها القراء لكن الملفت للنظر اليوم ان الاغلب فينا تحولوا إلى روائيين وشعراء وقصاصين وكلهم يمارسون النقد في كل جوانبه مع وفرة في إصدار المطبوعات تفوق ماكان يكتبه ( الرفاق ) من تقارير وعندما نقارن بين ماقرانا في السابق وما تحمله المطبوعات الجديدة نجد بونا شاسعا في المعنى والمبنى والذوق والأسلوب وصراع بين الجزالة والضحالة الا ما ندر ولا ندري من يقف خلف الحالة الجديدة .. اهي الأخلاق والاحتراف ومعرفة كل صاحب ذات ذاته ؟ او انها وفرة الورق ودراهم الطباعة وعدم وجود الضوابط تحت مسمى حقوق الإنسان في حرية النشر ؟ .