ما من شك في حضارة وادي الرافدين وما من شك في أن أجيالنا يفتخرون بها في كل محفل..
ولكنهم في الوقت نفسه لا ينفكون من التذمر وعدم الرضا وفقدان الثقة بمستقبل بلادهم..
أتذكر جيدا قبل 2003 كان العراقيون يرددون هذه الكلمات بعد نهاية كل حديث عن الوضع المزري الذي كنا نعيشه في زمن صدام الأسود.. كنا نردد.. ” احنا العراقيين ما بينا خير”.. وهذه الكلمات كانت تنطلق دوما حينما نتشاءم من وضعنا المزري وحياتنا البائسة وهي خاتمة كل حديث ثنائي وثلاثي..
كنت وقتها أقف طويلا لتحليل هذه الكلمات ودلالاتها وهل هي نتاج طبيعي لليأس والتشاؤم والتذمر الذي غلف حياتنا.. أم أنها بفعل فاعل” أي أنها مبثوثة بين الناس بصورة مدروسة” فقد كانت مخابرات صدام تبث بين الناس اشاعات وكلمات ومواقف كل حسب غرضها الذي أعدت له.. وكنت أقول في نفسي أن هذه الكلمات حينما تنتشر بين الناس فإنها تزعزع الثقة بالفرد والمجتمع وحينها سيكون الفرد والمجتمع ضعيفان لايقويان على تغيير النظام أو القيام بمحاولة ذلك وحتى التخطيط له..
اليوم بعد 14 سنة من سقوط صدام ونظامه ونشأة جيل جديد لم يعش في ذلك الزمان نجد النغمة ذاتها قد طغت على تفكيرنا واستولت على رؤانا المستقبلية فصرنا نردد بيننا ” العراق ماتصير له جارة” و ” احنا مابينا خير”.. فالتشاؤم والنظرة السوداوية والتذمر وعدم الرضا وكراهية الآخر أصبحت صفات رئيسية في شخصياتنا.. وحينها عاد التساؤل القديم.. هل نحن مجبولون على ذلك السلوك.. أم أنه أمر دبر بليل… أم أن واقعنا المأساوي هو الذي حفز هذا الشعور وهذا التصرف…
كيف لنا أن ننتج حضارة عظيمة ولا ننتج حاضرا عظيما… كيف يكون لنا هذا التاريخ المبجل من كل البشرية ولا نستطيع أن نصنع مستقبلا جميلا لأجيالنا.. إنه لأمر محير حقا.. أن نقف وسط المجهول ونفقد الثقة بأنفسنا ومجتمعنا فلا نمارس سوى الاستهلاك والمطالب والتذمر… نمارس الأقوال الناقدة والحاقدة ولا نمارس الأفعال النافعة والمنتجة.. إنه لأمر ممض حقا.. لم لا يمكننا أن نستأنف الحضارة.. حضارتنا التي خطت أول حرف وبنت أول قوس وأنتجت المدنية..
استئناف الحضارة في بلاد وادي الرافدين وأرض السواد ممكن جدا وسهل جدا فكل مقوماته حاضرة بيننا اليوم.. ولا يتطلب الأمر منا إلا أن نعيد الثقة بأنفسنا وبمجتمعنا وبأجيالنا وأن نثق بقدرتنا على ذلك لنتمكن من اكتشاف هذه المقومات وتنميتها ورعايتها.. مقومات النهضة بين ظهرانينا وأنتم تعرفونها جيدا.. ” الذكاء والإيمان والشجاعة” ولاحاجة للاستشهاد وذكر الأمثلة فهي تتجلى بين الفينة والأخرى أمامنا لنفتخر بها بين الحين والآخر ثم يخبت ذلك ليكسوه ثوب اليأس والتشاؤم.. والسبب أيضا نعرفه جميعا.. لأننا نقف عند التفاخر ولانتعداه ونريد من الآخر أن يفعل ويقوم بواجباتنا بينما النهضة الحقيقية هي التي نفعلها نحن بأنفسنا وبكل مانملك من حول وقوة..
استئناف الحضارة ياأيها العراقيون بين أيدينا لا يتطلب منا سوى أن نترك الكلام ونرفع شعار ” حي على خير العمل”و”هيا الى العمل”