23 ديسمبر، 2024 4:36 ص

اسباب تعثر تجربة القضاء الاداري في العراق

اسباب تعثر تجربة القضاء الاداري في العراق

نشئ القضاء الاداري في بادئ الامر في فرنسا بأنشاء مجلس الدولة ثم انشأت تشكيلات قضائية لمراحل التقاضي الاولى وتم تشكيل المحكمة الادارية العليا التي تنظر بمدى صحة قرارات محاكم القضاء الاداري وتأخذ دور محكمة التمييز في القضاء العادي وأريد للقضاء الاداري في فرنسا ان يحمي مصلحة المؤسسات الحكومية بوجه خصومها من موظفي تلك المؤسسات أو المواطنين وبنظر فقهاء القانون الفرنسي تحول القضاء الاداري تدريجيا الى اكبر ضامن لحقوق الموظف والمواطن بوجه تغول تلك المؤسسات وأصبحت فرنسا تتبع ما يسمى بالقضاء المزدوج أو ما يطلق عليه من قبل بعض فقهاء القانون بالمدرسة الفرنسية ويقابل ذلك مدرسة القضاء العادي او المنفرد كما يسميه البعض بمفهوم المدرسة الانكليزيه في القانون وقد حاول فيما مضى الكثير من رجال القانون في العراق تبني نظام القضاء الاداري الا انهم اخفقوا في ذلك بسبب وقوف اصحاب المدرسة القديمة بالقضاء العادي في العراق بوجه ذلك التوجه وكان يشار تحديدا للسيد الشماع رئيس هيئة ما يسمى بالاشراف العدلي انذاك وقد تبنى اقامة نظام القضاء الاداري في العراق وزير العدل الاسبق منذر الشاوي كونه خريج السوربون وتأثر بتراث المدرسة الفرنسية الا انه لم يفلح بوقوف رهط القضاة القدماء بوجهه وتسبب جراء ذلك بمآسي لبعض منتسبي جهاز القضاء وقد كان ضمن توجهاته اتباع نظام النيابة العامة كما هو معمول به في مصر التي تتبع هي الاخرى نظام القضاء الاداري طبقا لمفهوم المدرسة الفرنسية وان يحل مفهوم النيابة العامة بدلا من جهاز الادعاء العام الذي يتبع في الدول ذات النظام العادي او المنفرد حيث المدعي العام يتولى الدفاع عن الحق العام وسلامة تطبيق النصوص القانونية في حين يتولى وكيل النيابة العامة الاشراف على التحقيق منذ البدء ويأخذ بدور المدعي العام بالدفاع عن الحق العام وسلامة تطبيق النص فسعى السيد الشاوي لاستصدار قانون الادعاء العام وتورط بأختيار الاوائل من دورات المعهد القضائي ليعهد لهم بمهمة النيابة العامة الا انه لم يفلح كما ذكرنا وبقي الذين تم اختيارهم من قبله يشغلون وظيفة نائب المدعي العام وفي حقبة الحصار ارتئي في حينه زيادة رواتب القضاة وعندما طرح الشاوي مسألة تعديل رواتب الادعاء العام في الاجتماع الذي كان يترأسه صدام فسأل صدام الحاضرين ما هو دور نائب المدعي العام فأجابه السيد الشماع ( انه سكن للقاضي ) وهذا ما نقل حرفيا عن ذلك الاجتماع فقال صدام اذا تبقى رواتبهم كرواتب موظفي وزارة العدل من غير القضاة فأصبح الحد الادنى لراتب القاضي 600,000 الف دينار في حين استمر ممن كانوا الاوائل في دورات المعهد القضائي والذين بقوا في وظيفة نائب مدعي عام يستلمون 25,000 الف دينار شهريا كراتب لهم وعندما ذهبوا الى السيد الشاوي طالبين منه بطرح قضية رواتبهم من جديد امام صدام ليكونوا اسوة بزملائهم القضاة اجابهم فاغرا فاه ( كل عقلكم انا استطيع ان اقول لصدام انك اخطأت في مسألة رواتب المدعين العامين وعليك اصلاح ذلك الخطأ هذا مستحيل ) وجراء ذلك ترك قسم من هؤلاء الوظيفة اما المحاكم الادارية فقد انشأت انذاك في المحافظات من قاضي واحد وغير محددة المهام او الصلاحيات وجميع القضاة سيما القدماء ناصبوا وجودها العداء كونهم اعتادوا على القضاء المنفرد ولم يقف الامر عند هذا الحد وانما عند صدور قانون الادعاء العام ناصب اولئك القضاة ذلك الجهاز فأصبحنا نسمع قولهم ( لايمكن للقضاء ان يكون برأسين ) وكان يقوم فيما مضى بمهمة الدفاع عن الحق العام امام محاكم الجزاء ضباط الشرطة اما الان فأن قانون مجلس شورى الدولة حدد كيفية تشكيل محاكم القضاء الاداري وان يترأس المحكمة قاضي من الصنف الاول واعضائها قضاة من الصنف الثاني أو ان يكون الرئيس والاعضاء من مستشاري مجلس شورى الدولة او مستشارا مساعد في المجلس المذكور كما حدد ذلك القانون مهام تلك المحاكم وذكر بأمكان تشكيل محاكم قضاء اداري في المحافظات عند الحاجة والان تبلور عمل جهاز القضاء الاداري لدينا رغم حداثة تشكيله ولكن ينتاب عمله كثير من اوجه التعثر التي هي ظاهرة للعيان وممكن معالجتها مع انها تعتبر من اخطر المسائل المؤثرة على مفهوم تحقيق العدالة في حالة تركها دون حل وقد شكلت المحكمة الادارية العليا لتتولى مهمة تدقيق قرارات محاكم القضاء الاداري وان محكمة القضاء الاداري تنظر بمئات الطعون المرفوعة في التشكي من تصرفات رؤساء المؤسسات الحكومية ولو اخذنا على سبيل المثال ما يعرض عليها ممن رفضت قضاياهم امام هيئة الطعن في مؤسسة السجناء السياسيين والتي تعد بالمئات شهريا وعادة ما تحاول المؤسسات الحكومية الامتناع عن اعطاء رأيها في التظلم المرفوع لها وتتبع مختلف السبل للالتفاف عليه والمماطلة في الاجابة فيتعرض حق المواطن للظلم جراء ذلك فيكون اللجوء للقضاء الاداري الذي ينتظر منه ان يقف كسد منيع وفق القانون بوجه تيار جارف احيانا من التعسف ويأتي من رفض طعنه امام هيئة الطعن في مؤسسة السجناء السياسيين وكله امل بان يصل الى حقه ويقدم الدعوى للمحكمة الادارية فيبلغه الموظف بأن دعوته ستنظر بعد ثلاثة اشهر وعندما يحاول تقريب المدة يجيبه الموظف ان هذه المحكمة هي الوحيدة في العراق في حين ان من يقيمون تلك الدعاوى ممن رفضت طلباتهم من قبل هيئة الطعن في مؤسسة السجناء السياسيين تتراوح اعمارهم بين 70 – 95 عاما اي انهم على حافة ان يودعوا هذه الدنيا ويهوى على رأس ذلك المراجع كالصاعقة موعد الثلاثة اشهر فهو قد لايبقى حي اكثر من شهر واحد والمفارقة الغريبة في حياتنا ان المحاكم العادية لا تؤجل اكثر من عشرين يوما ومطلوب منها ان تعطي جردا كل ستة اشهر بالدعاوي المنجزة ويتسائل المواطن لماذا لم يسري هذا النظام على محكمة القضاء الاداري وقد يكون مثل موعد الثلاثة اشهر سببا مباشرا للقنوط ومفارقة الحياة من قبل ذلك المواطن في وقت ينص قانون مجلس شورى الدولة بأمكان تشكيل محاكم للقضاء الاداري في المحافظات عند الحاجة ولم توضح ماهية الحكمة من حصر المطالبة بحقوق المواطن من المؤسسات الحكومية بدعاوى تقام فقط في محكمة واحدة وهي الموجودة الان في بناية وزارة العدل مع انه طبقا للقانون ممكن اقامة محكمتين للقضاء الاداري في بغداد احداهما في الرصافة واخرى في الكرخ ومحكمة قضاء اداري في كل منطقة في العراق كأن تكون واحدة في البصرة وثانية في الديوانية لمنطقة الفرات الاوسط وثالثة في صلاح الدين لمحافظات نينوى وكركوك والانبار مثلما كان معمولا به للمناطق الاستئنافية قبل اعتبار كل محافظة منطقة استئنافية كما يلاحظ تشكيل محاكم القضاء الاداري حاليا من اعضاء مجلس شورى الدولة ومع كل تقديرنا لهؤلاء الاساتذة وهم من ذوي الدرجات العلمية العالية الا ان للخبرة القضائية دور لا يستهان به في كشف خبايا ما وراء اقوال الخصوم اضافة لاستقلال الرأي كما وجد بعدم تخصيص غرفة لجلوس المحامين في بناية محكمة القضاء الاداري ولا منتدب لتلك الغرافة وهذا تقصير تساهم بتحمله نقابة المحامين مما يحمل الاخرين على القول بان تلك المحكمة هي محكمة الحكومة وحتى لو افترضنا ذلك فأن قانون المحاماة ألزم جميع رؤساء الدوائر والمؤسسات المدنية والعسكرية بوجوب تسهيل مهمة المحامين والاخذ بمحتوى لوائحهم التي يقدمونها دفاعا عن حقوق موكليهم طبقا للقانون ولو انك تحمل تحصيل علمي عالي وخدمتك في دوائر الدولة نصف قرن وراجعت بعض الدوائر الحكومية لواجهت احيانا ما بعجز عنه الوصف من اساليب التسويف والمماطلة من بعض موظفي تلك الدوائر وهنا لا مناص من لجوء صاحب الحق الى خبير بالقانون يوجهه على اقل تقدير بكيفية الوصول الى حقه ولو اخذنا بأمثلة بما يلحق حتى ببعض الموظفين الذين يلجأونلمجلس الانضباط العام او محاكم القضاء الاداري اتجاه دوائرهم لما يتعرضون له من هضم لحقوقهم لادركنا مدى اهمية تلك الاجهزة القضائية واورد للقارئ الكريم مثلا بسيطا مستلا من حقيقة الواقع المعاش في احدى دوائر الدولة حيث احد الموظفين اعتمده المحافظ بمهام في مكتبه اضطر ذلك الموظف ولاسباب عائلية ان يعتزل الخدمة بعد ان بلغت خدمته (25 ) عاما طبقا للقانون وقدم طلبا بذلك وناصبه مدير الافراد في ديوان المحافظة العداء منذ البدء واصدر له امرا اداريا مستلا توقيع المحافظ عليه باحالته للتقاعد قبل بلوغ الـ (25) عام بثلاثة اشهر من حيث التاريخ في ذلك الامر مع ان خدمته اكثر من مدة الاعتزال المقررة قانونا بشهر كامل وكان يقصد بأجراء مدير الافراد هذا ان يقتطع نصف الراتب التقاعدي من ذلك الموظف وعند اعتراضه رد عليه مدير الافراد اذهب للمحافظ ليكمل لك تلك الخدمة ولما كان المحافظ قريبا لمدير الافراد وربما يجهل كيفية حماية ذلك الموظف من تغول نمر تمرس ولعهود طويلة فيما مضى لافتراس حقوق الاخرين فلجأ الموظف المسكين الى مجلس الانضباط العام وحضر ممثل القانونية في المحافظة ليدافع عن الدائرة موضحا بأن الطلب قدم قبل بلوغ خدمة ذلك الموظف 25 عاما في حين الواقع هو خلاف ذلك وامام جمهرة جميع موظفي ديوان تلك المحافظة ترك ذلك الموظف وظيفته مودعا حياة عاشها لحقبة طويلة بلطمة ظالمة على وجهه ولم يستطع مجلس الانضباط العام بايصاله الى حقه .