هو يوم مميز ولي فيه ذكرى جميلة بل هي احب الذكريات واغلى سعادة نلتها في حياتي …
فكرت ان امضي في الطريق واسجل احداثا ومواقف اضيفها الى سجل هذا اليوم السعيد واخترت ان اتحدث الى اي احد القاه فربما سعدت بالحديث وربما اضفت الى قرطاسي كلمات يكتبها القلم من خلال حديث يتخلل اسئلة عابر سبيل.
*حين سألته ماذا اعد لعيد الصداقة..؟
– قال:
– قبل ان اجيب سؤالك انا بدوري اسأل :هل هناك صداقة حقيقية في هذا الزمن المجدب الذي لا تجد فيه للعلاقات الانسانية شأن يذكر او اعتناء…؟
– قلت له : اراك محبط ولا تعترف بتلك العلائق الانسانية التي هي اس الحياة…؟
بعد لحظات من الصمت ابتسم ابتسامة اضاءت وجهه الحزين ثم ما لبث ان هتف قائلا:
(ليس وهما الصداقة والصديق الصدوق لكن يمكن ان يكون الصديق الصدوق هو الوهم الذي لا يمت للحقيقة بصلة).
فاجئني جوابه وقبل ان اقول كلمة او أعترض على قوله بكلمة وضع اصبعه على فمه علامة الصمت وبعد هنيهة قال:
– لقد تمزقت اواصر الصداقة لمن كنت اعتقد انهم اوفى الاوفياء فإذا بخناجرهم تقطع نياط قلبي….وأسافاه كان غدرهم نار مستعرة احرقت كل ماكنت احمل من امل وثقة…لا تلمني لقد تغيرت بهذا الغدر كل افكاري واعتقاداتي السابقة وكل ماكنت احمل من افكار واحلام.
……………
*يقف على جانب الطريق يتابع بنظراته المشاهد المختلفة التي تتوالى فيها الصور والحركات الناس والمركبات وعربات الحمل المختلفة التي قد تجرها الحيوانات او الدراجات المختلفة يطالع تلك المشاهد وعلى وجهه ترتسم ابتسامة طيبة تضفي على وجهه الذي حفرت على صفحته السنون خطوط الكبر لكنه مع هذا بقي جميلا متألقا لذا تقدمت نحوه والقيت عليه السلام فأجابني السلام وتحدثت اليه حديثا شيقا وانهيت الحديث بسؤالي عن العمر فإذا به يجيب :وحين يسألونك عن عمرك اخبرهم ان جميل الروح لا يشيخ لا يكبر.
وبنبرة طيبة حنون اضاف موضحا هذه ليست عبارتي بل هي عبارة قالها قبل اليوم الشاعر والاديب و الكاتب الكبير ( جبران خليل جبران).
سالته اي حدث اثر في نفسك واحتفظت بذكراه حتى اللحظة ..؟
نظر اليَّ مليا وارتسمت على وجهه الطيب علامة حزن واغمض عينيه لعدة ثوان كأنما يسترجع ذلك الحدث ثم ما لبث ان تحدث قائلا:
كنت في العشرين من العمر وكانت الدنيا بالنسبة لي فضاء واسع وانا اشعر وكأنني طير يحلق في ذلك الفضاء باحثا عن كل ما يمكن ان يهبني السعادة ويقربني من تحقيق آمالي وآمالي اذ ذاك كانت عظيمة فلا شيء يحدها وكنت اسعى بجد واجتهد بكل ما اوتيت من قوة ولي حلم كبير وهدف واضح وكنت اردد دائما على مسامع الاهل والاصدقاء هو انني سأغير الكثير وسأفعل وسأفعل…آآآآآآه…سين المستقبل او الاستقبال هذه كانت تضحك مني بل وربما تستهزئ بي …!!!!
لماذا…؟
سالت واردت منه ان يقول واردت منه ان يوضح فما اجابني بغير الصمت بينما كانت عيناه تطاردان بنظراتهما طفل اوشك ان يكون عرضة لخطر الدهس فما كان من ذلك الرجل الطيب الا ان انطلق راكضا محتضنا الطفل ساحبا اياه الى منطقة الامان وكان لنبضات قلبه صوت كصوت الملاك الذي يحمي الابرياء بل كأنه موسيقى عذبة تصور مشهدا من مشاهد الجنان الفردوس الاعلى الذي تضلله رحمة الله البر الرحيم .
ماذا عن سين المستقبل…؟
عدت اليه ثانية بينما كان والدا الطفل يحتضنان طفلهما وهما يصافحان الرجل شاكرين له صنيعه وهو يرد اليهما الشكر بالشكر والثناء مضيفا عبارة (هذا فعل واجب وقد سبقتني جوارحي اليه اجابة لذلك الواجب)
ربما لم يفهم هذان الوالدان ما كان يعني هذا الرجل لكنهما سلما سلاما طيبا وانصرفا وهما سعيدان بسلامة طفلهما .
وانا بطبعي عنيد لذا عدت اليه واعدت عليه السؤال :
ماذا عن سين المستقبل…؟
طالعني للحظات وارتسمت على وجهه تلك الابتسامة الطيبة التي شعرت حينها انها لطيبتها يهرب منها الشيطان فأوضح قائلا:
هذه السين بمداها الواسع جعلتني اتوزع في اهداف عديدة لا تجمعها اصول واحدة واذكر ان بعض الناصحين كان يقول لي :(اجعل لك هدفا واضحا واسلك اليه بخطوات ثابته كي لا تضيع في متاهات فما وجدو لديَّ اذنا صاغية فكان عاقبة امري خسرا وصرت اشبه بمن آثر ان يحمل من كل الالوان لونا فما استطاع ان يظفر بلوحة ولا رسم ولا لون ….
هكذا اضعت الكثير من السنوات حتى تبينت الصواب وحددت الهدف فوصلت اليه متأخرا بعد ان اجتهدت السعي وعذري هو عبارة (ان تصل متأخرا افضل من ان لاتصل ابدا).
اردت ان اطيل الحديث اليه لكنه ابتسم لي تلك الابتسامة الطيبة واعتذر عن الكلام ومضى الى حيث لا ادري فبقيت اتابعه بنظري وهو يسير بخطوات واثقة ونظرات متأملة كأنها عبادة وصلاة .