الكيل بمكيالين، أو ازدواجية المعايير، تعني: إصدار حكمين متناقضين في قضية واحدة على طرفين مختلفين، أو اتخاذ موقفين متناقضين من قضية واحدة وبمعطيات واحدة بحق جهتين مختلفتين، كأن تقبل من هذه الجهة وتستقبح من تلك الجهة..، أو تحكيم المبادئ على الآخر والتملص منها على النفس أو على الصديق أو الحليف أو الشريك او على من يرتضيه صاحب منهج الكيل بمكيالين، أو النظر إلى تصرف واحد يصدر من شخصين، بنظرتين مختلفتين متباينتين كأن يقبل من هذا ويستقبح من ذاك.
وبكل بساطة فان الكيل بمكيالين هي كما قال قال الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة.. وعين السخط تبدي المساويا
وهي ظاهرة متفشية عند الكثير ومنذ القدم دولا او مجتمعات أو أفراد وقد حذر منها ونهى عنها القرآن الكريم «وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ»، لكن ومع ذلك بقيت هذه الظاهر الوخيمة سيدة الموقف الا من رحم ربي، وقد اشتدت خطورتها وقباحتها حينما غُلِّفت بلباس الدين…
لو عرضنا فكر ومواقف وسلوك أئمة الدواعش لوجدنا أنهم يتفنون في تطبيق سياسة الكيل بمكيالين والتعامل بمعايير مزدوجة مع الأفكار والمواقف والإحداث، فعلى سبيل المثال لا الحصر حينما يمر أئمة المارقة على ما يذكره ابن الأثير في الكامل حول الخليفة الناصر لدين الله وكيف انه اطمع التتار في بلاد المسلمين، حيث انهم يغضون الطرف عن هذه الجريمة الكبيرة بل ويعتبرون الناصر لدين الله خليفة شرعي ومن الفاتحين وغيرها من الألقاب الرنانة، وبنفس الوقت يقيمون الدنيا على ابن العلقمي، وهنا يعلق المحقق الأستاذ على هذه القضية بقوله : قال ابن الأثير:
(وَكَانَ سَبَبُ مَا يَنْسُبُهُ الْعَجَمُ إِلَيْهِ صَحِيحًا مِنْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَطْمَعَ التَّتَرَ فِي الْبِلَادِ، وَرَاسَلَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَهُوَ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى الَّتِي يَصْغُرُ عِنْدَهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَظِيمٍ)، فعلق المحقق المهندس:
[[أقول: أين ابن تيمية عن هذا العلقمي الكبير، الخليفة، الإمام، ولي الأمر، أمير المؤمنين، العباسي، الذي أطمع التتار في بلاد المسلمين؟!! فإذا كان ابن العلقمي قد اقتدى بهذا الإمام التيمي مفترض الطاعة، فلماذا تلومون وتكفِّرون ابن العلقمي على هذا الاقتداء المقدَّس بخليفة إمام مقدَّس!!! فأي إسلام وبلاد إسلام إذا كان خلفاؤهم خونة عملاء وفاقدي العقول!!! ومع وضوح ما وَقَع وحقيقة ما وقع فإنّ ابن تيمية وأتباعه يتّهمون ابن العلقمي الصورة المغلوب على أمره فاقد الإرادة!!!]]
حقا لقد ابتلي الإسلام والمسلمين بل الإنسانية جمعاء بهؤلاء وغيرهم من الذين يتسترون بالدين، ويتعاطون بازدواجية تجاه المواقف والأحداث والسلوكيات فما يتوافق مع مصالحهم ومصالح اسيادهم يغضون الطرف عنه وان كان مخالف للشرع والأخلاق، وما لا يتوافق يرفضونه حتى وان كان موافقا للشرع والأخلاق والإنسانية، وكل هذا يجري تحت مظلة الدين والدين منهم براء، كما هو الحاصل اليوم وخصوصا في العراق الذي تحكمه الأحزاب الدينية بسياستهم الفاشلة الفاسدة والتي من مظاهرها الازدواجية والكيل بمكيالين.