27 ديسمبر، 2024 4:07 م

ازدواجية التعامل الحكومي والسياسي في قضية المغدور مصطفى العذاري ومغدوري الموصل

ازدواجية التعامل الحكومي والسياسي في قضية المغدور مصطفى العذاري ومغدوري الموصل

أواصل التنقيب في مواقع الصحف والمواقع الإخبارية الرسمية وغير الرسمية، فتزج بي ازدواجية معايير التعامل مع الجرائم والمظالم وانتهاكات الحقوق والحريات التي لم تتوقف منذ الاحتلال إلى خانات اليأس وفقدان الأمل في أن تستفيق القيادات الحكومية والسياسية والحزبية وبعدهم الناس ويرفضوا ازدواجية واضطراب التعامل الحكومي والسياسي وحتى الديني مع القضايا الاجرامية الإرهابية التي تنال مواطني بلدنا، وهذا يزيدنا قناعة بأن التخبط الحكومي والسياسي مستمر ولن يتوقف، ولان تلك القضايا الارهابية تمسّ أمن البلاد ويظل هاجس الخوف وعدم الامانة مسيطرا على أهل العراق؛ وهذا ما لا يقبله اولي الالباب، ونطالب بسياسة واضحة وشفافة وعادلة لا انتقائية عرجاء مزدوجة، وان التبرير الفاسد لهذه الازدواجية في التعامل مع الجرائم الارهابية مرفوضة تماما كما يرفض الجميع المبررات الفاسدة أخلاقيا وإنسانيا للظلم والإرهاب وللعنف والانتهاكات، ان مواطني محافظة ما عندما يجدون هناك تمايز واختلاف بالسياسات تصل الى حد اطر التعامل مع ضحايا إرهاب داعش، فان ذلك سيعمق من وضعية اليأس وفقدان الأمل، ويجعلهم يتورطون في تمجيد العنف وفى إلغاء الحق والحرية وفى تعميم مقولات الانتقام والثأر من القادمين، وهذا التعامل بازدواجية مع القضايا على الساحة السياسية والأمنية، سيعمل على تعطيل الضمير والعقل ونفي كل قيمة أخلاقية وإنسانية في سبيل تبرير الظلم هنا والعنف هناك وممارسة الاستعلاء على ضحايا الأول وتمجيد ضحايا الثاني.
فنلاحظ عندما يكون هناك خرق امني كبير تقوم به بعض المليشيات في بغداد (كما في اقتحام نادي الادباء وغيرها) تنبري لنا قيادات حكومية وسياسية لأجل إعطاء تبريرات ما انزل الله بها من سلطان وتنتمي أحيانا( لسذاجتها) الى دوائر تعطيل الضمير والعقل بتغييب المعلومات والحقائق عن المجتمع العراقي، فلا نقاش في تفاصيل الأفعال والإجراءات الحكومية، ولا في مضامين السياسات العامة، ولا باتجاه توثيق المظالم والانتهاكات التي تتواتر الأنباء عن حدوثها من جرائم الاقتحامات والانتهاكات والتعذيب إلى القتل والخطف والتي لا تضطلع الجهات الرسمية إزاءها إلا بالنفي السريع وبالقليل من الإعلان عن تحقيقات قادمة، وبتوظيف أسراب طيور الظلام ومبرري السلطوية الحاكمة لسيطرتهم على المجال العام للترويج ﻷوهام ومعارك وصراعات وهمية هدفها إما حشد الناس مع الاحزاب الحاكم وضد معارضيه (المتآمرين المزعومين) أو إخافتهم من عواقب التعبير الحر عن الرأي أو إلهائهم وتهجيرهم، وهناك خبران حدثا في الشهرين المنصرمين يجسدان ازدواجية التعامل غير المشروع والذي قد يحمل في طياته بعد طائفي او ديني او حزبي، وعسانا ان نكون في قمة الخطأ، وهما:
الخبر الأول / نفذ تنظيم داعش عملية اعدام وحشية بحق المغدور الجندي (مصطفى ناصر العذاري) حيث قام بتعليقه على احدى جسور قضاء الفلوجة بعد تعذيبه.
الخبر الثاني/ نشر تنظيم داعش، مؤخرا، تسجيلا مصورا لعملية اعدام 16 شخصا، في مدينة الموصل، ولكن بطرق مختلفة عن السابق، إذ استخدم مع مجموعة منهم الاعدام غرقا، بينما أعدم مجموعة اخرى بنسف رؤوسهم، في حين أعدم الوجبة الثالثة حرقا داخل مركبة، ونفذ أيضا داعش عملية اعدام وحشية للدكتور المغدور احمد القيسي في بيجي.
وسأنقل لكم مقتطفات بسيطة من حوالي (55) تصريح صدر بصدد اعدام المغدور مصطفى العذاري وهي:
فق1: المرجع الاعلى الامام السيستاني بستذكر بإكبار وإجلال الجندي البطل الشهيد مصطفى العذاري
فق2: زار وفد بتاريخ 28/5/2015من مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي عائلة الشهيد المقاتل “مصطفى العذاري” في مدينة الصدر /بغداد.
فق3: باقر الزبيدي يتبرع براتبه لعائلة الجندي مصطفى العذاري الذي أعدمه داعش بالفلوجة
فق4: أكدت وزارة الدفاع، التزامها بدعم أسرة الجندي مصطفى العذاري الذي أعدم مؤخرا على يد تنظيم “داعش” بمحافظة الأنبار وتقديم العلاج لوالده، وإنجاز معاملة العذاري التقاعدية وتسليم حقوقه كافة.
فق5: إن” العبادي أمر اليوم بمنح الشهيد مصطفى العذاري الذي تم إعدامه من قبل مجاميع داعش الإجرامية في مدينة الفلوجة قبل عدة أيام، رتبة ملازم”.
فق6: أدان رئيس البرلمان العراقى سليم الجبوري، الخميس، عملية الإعدام التي نفذها تنظيم “داعش” بحق الجندي مصطفى العذاري مؤخراً في مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار، وصافاً إياها بـ”الوحشية”
فق7: اعلن محافظ بغداد عن تخصيص قطعة ارض ونصب تذكاري للشهيد المغدور مصطفى العذاري .
فق8: مجلس ذي قار يُكرم عائلة الشهيد مصطفى العذاري ويحيي الذكرى السنوية لمجزرة سبايكر
 
فق9: أعلن مجلس محافظة الانبار، انه سيطلق اسم الشهيد مصطفى العذاري على احد شوارع مدينة الفلوجة بعد تحريرها من سيطرة داعش
فق10: من جانبه اكد الامين العام لعصائب اهل الحق قيس الخزعلي انه ولي دم الشهيد مصطفى وسيقيم مجلس عزائه في الفلوجة بعد تحريرها .
فق11: بيان استنكار وزارة حقوق الانسان حول اعدام الجندي مصطفى العذاري
فق12:وزير الشباب والرياضة يوجه بأطلاق اسم المغدور(مصطفى العذاري) على احد المنتديات الشبابية.
فق13: النائبة ليلى الخفاجي تزور عائلة الشهيد مصطفى العذاري
فق14: توعدت سرايا عاشوراء، اليوم الأربعاء، بالثأر لمصطفى العذاري الذي قتل على يد تنظيم “داعش”
فق15:حزب الفضيلة: بطولة الشهيد مصطفى العذاري شاهد واضح على توفر عزيمة شديدة لقتال الارهاب
فق16: انتقد عضو كتلة المواطن سامي الجيزاني صمت القيادات الوطنية ووزارة الدفاع على جريمة اعدام عصابات داعش الارهابية للجندي مصطفى العذاري شنقا في احد جسور الفلوجة
فق17: قالت النائبة سميرة الموسوي، ان اعدام الجندي مصطفى العذاري على يد تنظيم داعش في الفلوجة مخالف لمبادئ حقوق الانسان.
فق18: اعتبرت النائب هدى سجاد استشهاد الجندي مصطفى العذاري بأنه الدم الذي سيعجل النصر.
فق19: بدر النيابية تنتقد الصمت الحكومي والسياسي إزاء جريمة الشهيد مصطفى العذاري.
في حين ان خبر اعدام داعش ل(17) شخص من الموصل وصلاح الدين وبطريقة بشعة جدا اسؤها قطع الرؤوس بحبل من الديناميت لم يلقى صدى حكومي او سياسي او ديني الا في بيان صدر عن رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، وكأن لون الدماء مختلف مع العلم ان الذين اعدموا في الموصل وبيجي بهذه الاساليب المفزعة في القتل، والوحشية التي تظهر مدى سادية وعدوانية هذا التنظيم الاجرامي، والتي تتنافى مع كل سمات الانسان السوي، وتتقاطع مع كل ما جاءت به الاديان السماوية، اعدموا بتهمة الولاء لوطنهم وتعاونهم مع الحكومة ورفضهم مبايعة التنظيم الإرهابي؛ وهم يحاولون رفع الظلم عن اهلهم ومدينتهم واعادتها الى حضن الوطن، بل ان الدكتور احمد القيسي اتهم انه متعاون مع الحشد الشعبي.
لماذا لاتزال معظم الاخبار والشعارات التي تبثها القنوات الفضائية والصحف والمواقع المدفوعة الثمن تضخم وتركز على ضحايا مجازر دون المجازر الأخرى؟  وهل وقوع محافظات عراقية كاملة تحت سيطرة (داعش)، يعني أن السكان فيها باتوا جميعا عناصر في هذا التنظيم؟ وهل هذه الدماء التي اعدمت غدرا في الموصل، ليس لها قيمة وضحايا المغدورين الاخرين، قيمتها اعلى واثمن؟ وهل هناك تفضيل دماء على دماء وفق قاموس السياسيين وقياداتنا الحكومية؟
لماذا تمارس هذه الازدواجية بتناول القضايا، وهل ان سكان المناطق التي يسيطر عليها داعش والمناؤين لهذا التنظيم البشع عليهم باستمرار ان يقدموا الضحايا بسبب تصديهم للتنظيم والذين اجبروا على البقاء في الموصل لما سمعوه من ماسي تعرض لها النازحين ففضلوا البقاء في محافظاتهم؛ عليهم ان ينالوا من الحكومة والسياسيين مكارم معارضتهم للتنظيم واعدام بعضهم بالتنكر لهم ولضحاياهم؟
وهناك حادثة إجرامية إرهابية راح ضحيتها أكثر من 300 مواطن موصلي اغتيلوا غدرا وحسب ما ذكره نواب الموصل في جلسة البرلمان، وحوادث عديدة حصلت مع البشمركة؛ لم أجد أي استنكار من المرجعيات السياسية والدينية والحكومية، اليس لدمائهم قيمة ومغدورين اخرين، دمائهم قيمتها غالية؟ اليسوا عراقيين؟ لماذا تمارس هذه الازدواجية بتناول القضايا؟ ولماذا لا يتم التعامل بشفافية في إعطاء الأهمية لقضايا الدم العراقي بصورة متساوية والجدية في متابعة القضايا التي تهم المجتمع العراقي ككل؟
ان من ضمانات العدالة المجتمعية، ان لا ينسى او يتناسى رجالات الحكومة والسياسيين، جرائم ويركزون على جرائم أخرى او يعطي تبرير لبعضها تحت عناوين زائفة؛ لان تلك الممارسات تضعهم قانونيا وشرعيا في نفس خانة مرتكبيها.
إما هيستيريا تأييد الجرائم والظلم والانتهاكات والعقاب الجماعي أو الصمت والتجاهل عن الجرائم المرتكبة فيها والعزوف عن الاهتمام بالشئون العامة لمحافظات بعينها، والهدف في جميع الحالات هو تبرير قمع المعارضين (المتآمرين المزعومين) وتحميلهم مسؤولية الوضع الأمني والأزمات المتنامية.
ان التعامل مع الخبرين، اظهر بوضوح جلي، هناك ازدواجية في المعايير الحكومية والسياسية والدينية في التعامل مع الضحايا.
وقد ذُهل العالم لحادثة طيار الكساسبة الأردني وشناعة قتله بطريقة لا تمت للإنسانية والأخلاق بصلة فضلاً عن الدين الإسلامي الحنيف وقد عبرت هذه الحادثة وحادثة مغدوري الموصل وصلاح الدين وقسم من البيشمركة ومصطفى العذاري عن دناءة نفوس فاعليها ووحشيتهم وتشفيهم بقتل أسراهم، وأننا نكبر لكل من استنكر وشجب وساعد في قضية الجندي مصطفى العذاري، لاسيما ان مثل هذا التعاطف والتأثر للحادثة والإجراءات السريعة المتخذة تجاه تخفيف الضغط على ذويهم له مردودات إيجابية عميقة الأثر، بينما لا نجد مثل هذا التعاطف والتأثر والانفعال على المستوى العاطفي والإعلامي والعسكري لكل الجرائم التي تحصل في العراق ومنها جريمة اعدام مغدوري الموصل وصلاح الدين والبشمركة، فإذا كان الكساسبة طيارا مقاتلا في غير بلده وأُسقطت طائرته ووقع أسيرا بأيديهم وحينما قتلوه تعاطف العالم معه، بينما العراقيون يقتلون صبرا في بلدهم وعزل من السلاح تستباح الدماء وتنتهك الأعراض، وتعاملت الحكومة والسياسيين وقبلهم العالم معها بهامشية واضحة، فلماذا هذا البخس في تثمين النفوس ولماذا هذه الازدواجية في التعامل، حيث تأخذُ حوادثٌ إجرامية وارهابية صدى إعلامِيّا أكثر مما ينبغي، فيم يتجاهلُ الحكومة والسياسيين وبعدهم الإعلامُ حوادث أكثر اجرامية أو مساوية لها في الوحشية.
أن أبراز التساوي بين أبناء الشعب لدى الحكومة والسياسيين مهم واحد ضمانات العدالة المجتمعية، حيث أنّه بإعدام العذاري ذهب وفد من مكتب رئيس الوزراء لعائلة المغدور وتم تشييع جثمانه وتخصيص امتيازات مادية والتبرع له برواتب من مسؤولين، لكن بالمقابل ماذا عملنا لستة عشر مغدور قتلوا بطرق وحشية سادية، هل بكت عليهم الحكومة والسياسيين؟ هل أصدرت الحكومة والمرجعيات السياسية والدينية بيان استنكار او قدمت لهم رواتب لذويهم ولو حتى بطريقة اسقاط فرض لأجل ان يحس الأهالي الرافضين لتنظيم داعش ان لهم مناصرين وان الحكومة داعمة لهم ان هم عارضوا داعش، ولا يجوز منح هذه الامتيازات القانونية لطرف وحرمان طرف آخر منها أو انتقاص حقه فيها.
ان هذه المنهجية بتحسيس أهالي هذه المحافظات أنهم لا يمكن أن يكون شيء في البلد، لا يستقيم مع دول معتزة بسيادتها، إن الدولة عليها ان توفر الحماية للجميع ولا تفرق بين مواطنيها على أساس الطائفة أو القومية أو حتى الدين، وعليها ان تقفز قليلا على الانتماء الطائفي وان تتعاطى مع الحدث بمستواه وتنظر لسكان هذه المحافظات المسكينة نظرة ام ترعى أبنائها بشفافية وبالتساوي تطبيقا لدستورنا النافذ وتعاليم ديننا الحنيف.
 ان اتباع المعايير مزدوجة لا يتوافق ولا يستقيم مع معادلة حقوق الانسان وأحكامها، بل يناقضها روحاً وجوهراً ونصا، وان التَّراخِي بل التعامي عن القَضايا التي يكون الطرف المجني عليه من النجوم التي لا تسطع في سماء الأحزاب الحاكمة ولا تنسجم مع تطلعات الحكومة والسياسيين، فضلاً عن مَوارِيث التوجُّس والرِّيبة، سيؤدي الى تصدع سياسي واجتماعي قابل للتطور أكثر.
هناك ضرورة بان تشدّد الدولة وسياسيها والمراجع الدينية على احترام المعايير الإنسانية والتقيد بها، وعدم الخروج عليها في التعامل مع الوقائع والحوادث الاجرامية والارهابية، إذ لا يجوز إخضاعها للمزاج أو الذوق السياسي أو الانتقائية أو التمييز أو التحيز أو المحاباة، فالمعايير وُضعت لتحقيق العدالة واحترام الحقوق، ولرفض الإجحاف بحق صاحب الحق، وان قيم الاحترام والاختلاف الحضاري هي التي يجب أن تسود، قبل أن تساهم الدولة في الإجهاز على مثل هذه القيم، بالتأكيد هناك اختلافات فكرية فيما يتعلق بنظرتهم للحقوق الكونية، إلا أن الإنسانية خط أحمر، وكل الاختلافات يجب ان تنمحي عندما يتم المس بالحقوق.
أخيرا: فهؤﻻء مصداق لقول اﻹمام علي عليه السلام:
(أﻻ وإن من ﻻ ينفعه الحق يضره الباطل، ومن ﻻ يستقيم على الهدى يجره الضلال الى الردى).