23 ديسمبر، 2024 12:26 ص

ازدهار المجتمعات وربح الشركات .. علاقة طردية ام عكسية؟

ازدهار المجتمعات وربح الشركات .. علاقة طردية ام عكسية؟

ان سيطرة شركات تسويق السلع والتسوق على الانظمة السياسية لدرجة الضغط الكبير للتحكم بالقرارات التي قد تصل درجة تطرفها الى شن الحروب هي حقيقة واضحة بدت نتائجها تتضح مع التجارة الكبيرة التي يدر بها قطاع صناعة الاسلحة الذي يبحث دوماً عن ارض مشتعلة للصراع. ومما لا شك فيه فان الشركات المصنعة للسلاح تعمل ضاغطة للدفع بقرارات الدول الكبيرة صوب الحرب بدل الحوار لحل الازمات.
هذه السيطرة تؤثر بشكل كبير على انماط وتركيبات المجتمعات. ان اختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية بشكل مفاجئ داخل المجتمعات يمنع او يقوي نزاعات محددة داخلها، حتى لو كانت هذه المجتمعات تعيش حالة من الانتعاش الفكري والثقافي، مثال على ذلك المانيا التي كانت في بدايات القرن العشرين اكثر منطقة متقدمة في الحضارة الغربية على صعيد الادب والموسيقى والفنون والعلوم، الا ان تغير بسيط في المجتمع جعلها تدخل بعد سنوات قليلة في احط مستوى في التاريخ البشري كما يرى نعوم تشومسكي. هذا التغيير سمح بازدهار اشخاص مثل جوزيف مينغل بدل من اينشتاين.
هناك نوع اخر من السيطرة بدأ مع التطور التكنلوجي الذي شهد في السنوات الخمسين الماضية ثورة وقفزة كبيرة، يتلخص في السيطرة على تحويل ادراكات الناس، فقد بينت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الامريكية والمانيا وغيرها ان الناس يفضلون وقت الفراغ على السلع المادية، وهذا ما يتعارض مع سياسة السوق الاستهلاكية التي تعتمد بشكل رئيسي على توجيه اهتمام الافراد الى السلع، وهنا تكمن قوة واهمية قطاع الاعلان بالنسبة لملاك الشركات، فوكالات الدعاية والاعلان يتجسد دورها في تحويل طبيعة الافراد الموجهة نحو انفسهم الى الاهتمام بصورة مبالغة لاستهلاك البضائع كسبيل لايجاد ذواتهم فيها، وما تخصيص حوالي سدس الانتاج القومي الصافي في الولايات المتحدة الامريكية أي اكثر من ترليون دولار سنوياً على التسوق، سوى تلاعب وخداع ليحول تركيز الناس وطبيعتهم الموجهة نحو انفسهم كأفراد الى الاهتمام بمضاعفة استهلاكهم للبضائع التي لا يحتاجونها.
هذا التدخل في طبيعة المجتمعات لفرض سياسات تهدف الى الربح فقط غير مبالية بالتغير الذي قد يطرأ على سايكلوجية المجتمعات يفسر بشكل واضح مخاوف منظمة الصحة العالمية من ان تقفز استعمالات مضادات الاكتئاب الى اعلى درجاتها في السنوات العشر المقبلة.