18 ديسمبر، 2024 9:15 م

يجوب الطرقات، يرفع صوته عاليا بصياح الديك، يقلد ابسط التفاصيل بالصيحة الواحدة، قائمتاه متهالكتان، يصيح هنا ويصيح هناك، ولايقتصر على الصباح، في كل الاوقات يملأ جو المدينة المزدحمة بالصياح، اشترى له ابوه عربة، ولم تثنه عن هوايته المفضلة، يدفع مستندا على رخاوة رجليه ويصيح عاليا ويرفع رقبته للاعلى، ويعود بها ثانية، فهو الديك الذي لايبارح ازقة المدينة، حتى حين يختلف مع احد ما، لايستخدم يديه، وانما يبدأ معركته بالقفز واستخدام المنقار.

بالامس اوقفته ، قلت له محمود لماذا تقلد صوت الديك، فقال: انا احب ان اكون ديكا، هل ترى كان صعبا على الله ان يخلقني ديكا، هي امنيتي، ولكن ما الفائدة، انا ديك بهيئة اخرى، تجرأ اكثر واندفع باتجاه ان يكون ديكا حقيقيا، ذهب الى الخياط فجاراه الرجل برغبته، وقرر ان يخيط له جناحين من قماش، جناحان يشبهان جناحي الديك، ارتداهما وصار يجوب الازقة بهما واصبح ديكا بهيئة كاملة، الحلاق الذي قربنا، اتعب نفسه قليلا وراح يرسم شعره على هيئة عرف الديك، فتحقق له مايريد، وصار ينط من سطح الى آخر.

الجميع يتساءلون اين ذهب الديك، لقد سمعته يصيح في الزقاق المقابل، ابوه وامه واخوته لم يعترضوا على شيء، انه ديك المدينة، لكنه لايضل مكانه مثل الديكة الاخرى، ولم يتحرش باية دجاجة، تفتق فكره ان يطيل اظافر قدميه، وفعلا امتلك هذه الخاصية ايضا، حتى صار عسيرا على اي احد ان يحتك به، كان شغله الشاغل التفكير بكيفية الحصول على منقار، فاقنعه الناس بان هذا الامر لا اهمية له ، فليفترض ان انفه هو المنقار.

اقتنع وراح يجوب الازقة بعرف الديك والاظافر الطويلة والجنحين الابيضين، يصيح بنغمة ربما جاءت احلى من صياح اي ديك آخر، وبما انه لم يجد دجاجة تقابله الصوت وتقاقي له، اخترع دجاجة ذاتية وراح يقاقي بعد ان يمل من صياح الديك، هكذا محمود ملأ جو المدينة صياحا ومقاقاة، حتى بدأ البعض يتذمر لانه لايفرق بين الاوقات، يصيح في كل وقت، ويصيح امام الافراح وامام مجالس الحزن، يشغل السنة بطولها وعرضها صياحا.

في الآونة الاخيرة بدأ ينطط على سطوح الجيران، خصوصا بعد ان اثبت جنحيه، صار يقفز من سطح الى آخر كثيرا، ويحاول جاهدا ان يشارك الديكة صياحهن في الفجر، وطالما تلقى رد ديك بعيد، اذ لم يكد محمود ان يبدأ صياحه، حتى تبدأ ديكة

المدينة بالصياح هي الاخرى، للاسف بدأ يفكر بالطيران، وراح يطرح الموضوع امام اصدقائه، اريد ان اطير، حاولت ان اقنعه ان الديكة لاتطير، فهي تألف تربية الناس لها، وهيئة اجنحتها لاتساعدها على الطيران، ولكنه اصر وذهب الى الخياط لاجراء التعديلات على جنحيه، البارحة فقط سمعت ان محمود قفز من بيتونة الدار وكان يحاول الطيران، تكسرت رجلاه ويداه وتهشم الحوض، وهو الآن مقعدا تماما، لكنه لايكف عن الصياح من داخل الدار.