تزداد قناعة المواطن باستحالة بناء العراق على أسس منطقية في ظل التشكيل السياسي القائم في البلاد، لأن شواهد فشل الأداء المزمن يضاعف مئات المرات من غياب فرص بناء دولة عصرية خالية من التهميش والاقصاء وكل أوجه الانغلاق، وذلك لأن الغالبية العظمى من السياسيين مشغولون بأموالهم وعقاراتهم، التي باتت الهدف والغاية، بدليل أن أحدا لم يلتفت الى حرمة الدم العراقي الطاهر، الذي بات وصفة جاهزة لتصفية الحسابات بين فرقاء عملية سياسية لا تزال تحبو وعمرها 9 سنوات!!
يتحدث السياسيون بأصوات مسموعة ، وينتخون كل حسب امكانياته الصوتية للدفاع عن وحدة العراق وشعبه، لكنهم في المقابل ينحتون في الصخر لاستمرار التخندق وراء أجندات واولويات لا علاقة لها بمعاناة المواطنين، بل من اجل تمرير مؤامرات تحمل في طياتها اصرار لئيم على ايقاظ الفتنة الطائفية، التي أول ما تستهدف أخوة العراقيين، بوصفها جدار الفصل بين عراقية الانتماء وسياسة حلب الموارد وأنانية التوجهات.
اذا لم يستطع سياسيو العراق حل مشاكلهم الشخصية فبالتأكيد لمن يكونوا قادرين على انقاذ الوطن من تحديات كثيرة، لا بل أن البعض يركب هذه التحديات لتحقيق ذاته ، حتى ولو كان على حساب هيبة العراق ومزاج شعبه، أنها فعلا من بين أكبر مصائب العراق، حيث يتسابق سياسيون على ذبح الوطن من اجل سواد عيون ثرواتهم وعلاقاتهم غير واضحة المعالم، التي يلعنون فيها تدخل هذه الدولة، لكنهم يقبضون ثمن التصعيد غاليا.
لم يعد العراقي مهتما بفضائح الفساد الاداري والمالي، لأنها على ما يبدو موزعة على جميع السياسيين بالتساوي ،فيما العراقي يجد نفسه في حرج شديد لأنه انتخب سياسيين لم يلتفتوا اليه بعدها، وانه فقد الثقة بهم جميعا، بكل مكوناتهم الإسلامية والليبرالية، بعد ان فضحوا أنفسهم في تراشق اعلامي تفوح منه شخصنة المواقف وحشرها طائفيا رغم أنفها، لذلك لسان حاله العراقي يقول ” اريحونا واستريحوا، فقد حققتم ما تحلمون به وزدياة، ونحن لا زلنا ننتظر”.
ليس من المعقول ابدا استمرار هذه الحالة، ومن المعيب حقا انتظار الفرج من سياسيين يتقاتلون على المال والجاه أكثر من حبهم للعراق وأهله، لا بل أن فيهم من يقول أن للعراقيين رب يحميهم ويعينهم، وكأن هذا النفر يتناسى الحال قبل اسابيع من استلام منصبه، وكيف كانت وعوده والتزاماته، التي بخرتها النزعة المادية وما يفوح من رائحة العطش المزمن للهيبة!!
نحن لا نضع الجميع في قارب واحد، فهناك، وهم على عدد أصابع اليد، يجتهدون ويعملون لاعادة الروح الى المشروع الوطني، لكن ي المقابل تواجههم حيتان تلتهم كل ما أمامها، من أجل البقاء في مركز النفوذ لاطول فترة ممكنة، كما أن هناك قوى تعودت فقط الاستفادة من الأزمات للمزيد من الربح السياسي والمادي، ما يبرر استحالة اتفاق السياسيين على مشروع عراقي يرفض الاملاءات الخارجية، التي يتقاسم الجميع الأدوار فيها.
ان الذين يراهنون على افلتنة الطائفية لا يحق لهم لا الحديث باسم الشعب ولا قيادة هذا البلد، كما أن الذين يعتبرون دم الراقي وسيلة للعبور اذلهم الله في الدنيا قبل الآخرة، أما الذين يعتقدون بأن وجودهم في السلطة ارادة الهية فهؤلاء اشد أذى من غيرهم، لأنهم يرفعون قيم لاسلام بيد ويتفنون في لعب اوراق الخبث السياسي في يد أخر، بينما الصحيح أن يكون لرجل الدين دوره الايماني ويكون لرجل السياسية فهلوته الخاصة، أما الجمع بين الاثنين فتلك قضية مؤلمة، من بين نتائجها هذا التخندق الطائفي وهذا الخلل في السلوك العام.
ولكي تستقيم الأمور في العراق لابد من حلول عاجلة، لأن فكرة الأغلبية والأقلية فيها خداع للذات، فلم يحدث ان جرى في العراق احصاء سكاني على أساس الطائفة، ثم اذا لم تكن عراقية المرء هي الحبل السري في الدفاع عن وطنه، فان كل باقي الشعارات لا معنى لها، لأننا اما أن نكون عراقيين وبس، أو نترك للاخرين تحديد مستقبلنا، وهو ما يطمح اليه سياسيون يجيدون اللعب على كل الحبال باستثناء العراقي منها، ومع ذلك يحاولون ايهام شعبهم مرة أخرى بأن لا عيونهم لا تقر الا بعراق موحد وقوي، ولله في خلقه شؤون!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]