20 ديسمبر، 2024 1:45 ص

ارق اللون في فن البورتريت – قراءة في اعمال مزاحم الناصري وسعد نجم

ارق اللون في فن البورتريت – قراءة في اعمال مزاحم الناصري وسعد نجم

 هناك تجاوب بين شخصية الفنان وأثره الفني، وبخاصة عندما يتحرر الفنان من قيود مدركاته الحسية الواعية لحدود المطلوب والمألوف، شادا رحاله في رؤى خيالية تعصف بها ريح اللاوعي الفردي، ويومض في ليلها برق اللاوعي الجمعي، إلا أن جدلا يقوم في إمكانية انطباق تلك الطروحات على فن البورتريت فالبعض يرى أن لا مجال للفنان في التعبير عن ذاته وانعكاساتها في هذا الفن حصرا ، بفعل ثوابت التقارب والتناظر مع المرئي تلك المعادلة التي يستلزم حضورها على نحو كبير في فن البورتريت.
      والواقع أن تأملا دقيقا لحوارات الشكل واللون لبعض من أعمال فناني البورتريت تميط اللثام عن محاولة عابثة لتلك المعادلة من فرض حضورها الرقمي على رؤية تشكيليين عراقيين مثل مزاحم محمد صالح الناصري وسعد نجم, فمن خلال مطالعة نماذج أعمال سعد نجم نتلمس عاطفة متغلغلة في ثنايا اللون تتضح من خلال ألوانه الدافئة تارة والمحترقة  تارة أخرى،  ويبدو هنا أن ثمة تجاوبا خاصا بين شخصية الفنان وأثره الفني, فقد خلع سعد نجم الكثير من دفء عواطفه وأخيلته على فنه فنراه مرة يضع أشكاله في أجواء ليل هادئ يستحيل الضوء فيها الى شيء أخر,ويكون لونا غامضا له إيقاع خفي تتناغم فيه حدود الشكل والأرضية… ونراه الرسام يزج بشخوصه في زحمة ألوان غاضبة تغيب فيها أشياء وتتحد فيها أضواء ليقدم جموح عاطفة تتحرك في مجال أفقي وعمودي شامل يبشر بولادة ألوان جديدة وانعكاسات أخرى غير تلك التي يجسدها الموديل.
      وفي سياق قراءة اللون هذه وفي ذات المشغل تمنحنا أعمال مزاحم رؤيا أخرى في فن البورتريت فلا نعلم على وجهه اليقين كيف حدث تواصل وانسجام بين ثوابت الموديل وملامح شخصية الفنان التي لا تنفك تعبر عن نفسها في آلية العمل والحديث…   حبكة غرائبية من الحب والسأم والهلع والكآبة يهبها مزاحم لاعمال تستطيع نقل الأشياء من قيد المألوف إلى تجريدات وتحديات لونية تمنح الشكل جاذبية تشد الناظر للتأمل كثيرا في قدرة هذا الفنان على تجسيم مفردات أشكاله ووضعها في حوار مستديم مع المتلقي.

     وطبقا لطروحات سيكولوجية اللون , فان انسيابية الالوان بطريقة غريبة مالوفة , ساكنة، ملتهبة في سياقات عمل تقتحم المالوف , انما تعبر عن هواجس خفية تشد الفنان الى فعل محكوم عليه بواحدة او مجموعة من الاستجابات الانفعالية التي ربما تشكل رموزا لمشاعر معينة او امزجة خاصة او تجربة محددة في حياة الفنان بمعنى : ان التعبير اللوني يلعب دورا في تفسير المحتوى الواقعي والرمزي للاشكال ويكشف عن ارتباطات اللون بالحضارة , وبالبنية الشخصية المتفردة للفنان ,ويوضح انماط العلاقات التي تحكم الفنان بواقعه الخارجي , او تلك التي تشده الى عالمه الداخلي . وهكذا تتحيد بمعنى او باخر  ثوابت الشكل واللون في فن البورتريت امام القدرة الابداعية لتشكيليين عراقيين مثل سعد ومزاحم , قدرة تكشف عن أبواب سرية في النفس الانسانية تتحرر من خلالها عواطف الفنان مهما قيدته مواصفات العمل الفني انها حقيقة تظهر الالتحام التام بين الحرية والفن وفكرة ذهبية تفيد ان غياب أي منهما يعني فقدان الثاني لمعناه .
معهد الفنون الجميلة / العراق / نينوى

أحدث المقالات

أحدث المقالات