22 نوفمبر، 2024 11:51 م
Search
Close this search box.

ارضيتا

جمع الاله في يوم ربيعي سعيد، جميع المخلوقات، وبدأ يسألهم عن الاشياء التي تزعجهم في كوكبهم، فتعالت الاصوات، وشكت الاسماك معاملة الصيادين، حيث يلقون لها بالسم ويضعون مخالب في افواهها، وشكت الاغنام ظلم الجزارين، وخصوصا في المسالخ حيث الزحام، وشكت الطيور من الفخاخ التي ينصبها الانسان، وشكا الزرع من تقلبات الجو، وشكت القطط وقت سفادها القصير، بدت الحيوانات مقهورة ومظلومة، ونادت باستقلالها عن بني الانسان، ولكن الاله لم يستجب ، لان القوانين تختل والتكامل يصبح في خبر كان.

وجاء دور الانسان فلم يفوض احدا عنه، وانما تعالت صرخات المظلومين والمقهورين حتى لامست عنان السماء، فضجر الاله من هذا الجو المليء بالضوضاء، وحاول ان يستمع لهم بجو اكثر هدوءا، فتكلم الانبياء، ومدحوا الحيوانات، ولكنهم وضعوا جام غضبهم على من بعثوا اليهم، وجاء دور رجال الدين، فكانوا يخطبون ويمجدون الاله، وبعدها وصل الامر الى بني البشر العاديين، فكان الاول مظلوما والثاني مقتولا والثالث معذبا والرابع جائعا، والآخر سقيما عليلا، تعددت المظلوميات، وشكا بعضهم بعضا، وكان الاله على عكازه يضحك من الجلبة، فاعترض ابنه الواقف ازاءه وقال له: انهم يبكون ويتعذبون وانت تضحك! نعم اضحك منهم وقريبا ساجد لهم حلا، فسأله ابنه عن الحل، فقال: سأنشىء لهم ارضا اخرى، وساسميها ارضيتا.

وقف ابنه مستغربا من هذا الحل، وطلب من الاله ان يغير وصاياه لانها لم تنفع بشيء، وكيف سأغير وصاياي، لقد طبعت واستقرت في اذهان الناس وقلوبهم وانتهى كل شيء، لن يقبلوا بغير تلك الوصايا والكتب ، انهم يقدسونها اكثر مني، انتبه لبني الانسان وقال لهم:

سانشىء لكم ارضا ثانية ايها المعذبون، وستكون حكرا عليكم، لكل المظلومين والجياع، فرح المسحوقون بهذا القرار الحكيم، وعلموا ان هذه الارض( ارضيتا) ستكون بلا انبياء ولا وصايا ولاكهنة، ففرحوا كثيرا اذ تخلصوا من عبء الوصايا الثقيلة، واتفقوا ان تكون وصاياهم من ارضيتا ذاتها، وسيختارون لجنة من المعذبين لتنظيم شؤون الناس، صدر القرار وانشئت ارضيتا بثلاثة ايام، انتقل الناس عبر الفضاء الى جنتهم في ارضيتا، وصاروا يمرحون ويضحكون ويلعبون، تخلصوا من الجبابرة والقتلة واللصوص، وكان الاله ينظر بفرح اليهم، ويقول لابنه: انظر

الى سعادة الانسان، فرد ابنه عليه: انتظر فترة زمنية اخرى وسترى، فقال الاله: لكنني لم ابعث وصايا ولم اكلف احدا بتقييد هؤلاء، لقد تركتهم على سجيتهم، نعم ايها الاله العظيم، لكن الكثيرين سيحاولون ان يلعبوا دورك هناك، ستكون آلهة كثيرة، نشأت السخافات وبنيت المعابد ووضعت فيها المحضيات وتم رجم عدد من النسوة، وذبح عدد آخر من الرجال ، وبدأت الحروب حول مصادر الثروة والجاه، تطوع الكثيرون للذهاب الى البلدان البعيدة، فجاؤوا بالغنائم ، النساء والحيوانات والفضة والذهب، اعيدت نفس المأساة ثانية، انشغل عنهم الاله فترة طويلة من الزمن، فانتشر الفساد وكثرت الجرائم وصار الموت مسحة من مسحات كوكب ارضيتا، ولا احد له دخل بما يحدث هناك، تطاحن الناس واقتتلوا، فانتبه للامر ابن الاله، فايقظ والده من النوم، وقال : انظر الى كوكبك السعيد، انهم يتذابحون، فبكى الاله بكاء مرا، وقال: لو انني صانع دمى ماهر لماحدث ماحدث.

أحدث المقالات