28 ديسمبر، 2024 11:13 ص

ارتدادات الثورة العلمية على الصناعي والرقمي

ارتدادات الثورة العلمية على الصناعي والرقمي

” يجب أن تقلب الثورات العلمية النظام المعرفي الذي قامت على أساسه النظريات السابقة بشكل كلي”

لا ينكر مؤرخو العلم حدوث انكسارات في أنظمة المعرفة وبروز قطائع في مسار تراكم الحقائق ووقوع تصدعات في طرائق التفكير وتغييرات جوهرية في منهجية البحث وبالتالي ظهور مناهج غير مألوفة.

بهذا المعنى تبدو الثورات العلمية من بديهيات الأمور ووقائع تاريخية لا تقبل التشكيك والاستخفاف بل تظل مطلبا راهنا ومحل تبجيل وتقريظ مهما اختلفت الدوافع والأسباب ومهما تشعبت التبعات والرهانات.

لا يمكن إحراز اكتشافات علمية وبلورة اختراعات حاسمة دون الانخراط في مسار بحثي جماعي وبلا استمرار في الاعتبار والسبر والتنقيب عن الحقيقة بين مفاصل الكون وأسرار الطبيعة وصفحات الوجود.

لقد أعاقت السلطة في جميع تمظهراتها المعرفية والدينية والسياسية التقدم العلمي ومنعت انتشار الحقائق الجديدة في الثقافة السائدة وحالت دون انتصار الموضوعية على النزعات الشخصية والانطباعات الذاتية.

لقد غيرت الاكتشافات الكبرى وجه الإنسانية وجددت شبابها ودفعت بالعقل نحو آفاق بعيدة وسمحت له بإجراء مغامرات جريئة وجعلت المعرفة البشرية تتجول على شواطئ بحار ليس لها حدودا وتبحر في أعماق محيطات لا مستقر لها وأرست تقاليد في الهدم والبناء والتطوير أخضعت التاريخ لمراجعات قاسية.

يفيد فعل ثار الدورة والانعطاف والعودة والاستكمال والاسترجاع والإعادة والدوران والتكرار والمعاودة ويؤدي إلى التغيير المفاجئ والحاسم في مجرى الأشياء ووقوع الأحداث في مجالات الاجتماع والسياسة والأخلاق، ويسمح الفعل بالحديث عن الثورة الصناعية عندما تم تعويض الآلة البخارية بالأدوات التقنية وعن الثورة السياسية بمعنى التعديلات في البنية التي تفرضها السلطة عند تنظيمها الجسم الاجتماعي.

الثورة الكوبرنيكية تقتضي تحطيم المسلمات القبلية لمركزية الأرض وحدثان فكرة الطبيعة من حيث هي تلازم موضوعي بين المعرفة الفيزيائية ومختلف الظواهر الدقيقة والعلاقات الرياضية التي تربط بينها.

لا يحدث تطور العلم تراكميا ومتدرجا دائما نحو الحقيقة وإنما قد يمر بثورات بنيوية وتغيير في النماذج.

لقد تجسد الثورة في المجال الأخلاقي في قلب القيم بالتخلي عن النظام المعياري التقليدي الذي كان يتحكم في العالم القديم ويؤمن بالمطلق والجوهرانية والثبات والتعالي والهرمية وتعويضه بنظام معياري حديث يناسب العالم الجديد ويؤثر النسبي والتغير والزمني والمحايثة والأرضنة ويتأثر بأحوال الوجود الإنساني.

لقد فاضت الثورات العلمية على الواقع الاجتماعي وحركت بقوة أنماط الإنتاج الاقتصادية ودفعت بالقوى الفاعلة في الحراك السياسي إلى الأمام وتحولت إلى رقمنة للحياة وساهمت في تشكيل الواقع الافتراضي. فما المقصود بالثورة الرقمية؟ وكيف غيرت نظرة الإنسان إلى نفسه وبدلت منزلته في الكون؟