18 ديسمبر، 2024 7:51 م

اذكروا حسنات موتاكم البطاقة التموينية – عجز حكومي وفساد المسؤولين

اذكروا حسنات موتاكم البطاقة التموينية – عجز حكومي وفساد المسؤولين

بعد غزو الكويت والعقوبات الدولية التي تبعته أطلق النظام السابق 1991 بعد فرض العقوبات الاقتصادية على العراق- واعتمدت حكومة صدام حسين نظام العمل بالبطاقة التموينية، لتزويد الناس بمواد غذائية بأسعار تدعمها الحكومة. – وقد اعتمد نظام البطاقة التموينية في العراق بعيد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 الصادر بتاريخ 6 أغسطس/ آب 1990. ويعتمد 90% من العائلات العراقية على هذه البطاقة بشكل تام، وتعتمد عليها نسبة الـ10% الباقية (وهم أصحاب الأجور المرتفعة) بشكل جزئي –
وتحمل البطاقة التموينية اسم معيل الأسرة واسم المحلة والزقاق وعدد أفراد العائلة واسم وكيل التوزيع عموما ووكيل توزيع الطحين بشكل خاص
ويوجد بالعراق 45 ألف وكيل يقومون بتوزيع مواد، من أبرزها الرز والشاي والسكر والحليب وغيرها، يضاف إليها الطحين الذي له شبكة توزيعية مستقلة- ويحصل كل فرد من العائلة على 9 كلغ من الطحين و2.5 كلغ من الأرز، و2 كلغ من السكر و250 غراما من الحليب المجفف – وتغطي هذه المواد أكثر من 75% من المواد الغذائية التي تستهلكها الأسرة العراقية. وقام حكومة صدام حسين متمثلة بوزارة التجارة بدعم هذه المواد خلال سنوات الحصار الـ13 بواسطة واردات النفط مقابل الغذاء وبإشراف الأمم المتحدة – ويرى مدير المعهد المستقل لدراسات الإدارة والمجتمع المدني الدكتور منقذ محمد داغر في لقاء خاص مع الجزيرة نت أن “نظام البطاقة التموينية قد جنب العراق مجاعة مؤكدة، إذ وفر أمنا غذائيا للشعب خلال محنة الحصار. كما أن توفير كميات غذائية بداية كل شهر أساسية حمى الأسرة العراقية من تفكك وتمزق في ظل ظروف اقتصادية تطحن المستهلك طحنا- ورغم تعرض العراق –خلال الحصار- لحالة اقتصادية تميزت بتوقف التعامل التجاري الخارجي وارتفاع معدل البطالة وانتشار الكساد ونشاط السوق السوداء فإن البطاقة التموينية شكلت صمام أمان حمى المستهلك. بل إن بعض العراقيين جنى منها مكسبا حيث كانت الأسرة تحد من استهلاكها الشهري فتوفر فائضا من مادة معينة، فتحصل بواسطة ذلك الفائض على سيولة نقدية
لم تلغ سلطة الاحتلال – برايمر — نظام البطاقة التموينية، رغم أنها أصدرت حتى الآن ما يناهز 70 قانونا أغلبها يتعلق بتنظيم الحياة الاقتصادية والشروع في دخول العراق نظام السوق الحر الا انها أصبحت تشهد تذبذبا مطردا حيث تتأخر المواد الغذائية أو بعضها أسبوعا أو أكثر مع قلة مفرداتها ويتأثر المستهلك العراقي بهذا الوضع المضطرب، فما أن تغيب إحدى المواد من التموين حتى يرتفع سعرها في السوق، بل صارت المواد التموينية عرضة لمضاربات التجار الحريصين على الكسب السريع الجشع
وقد مددت وزارة التجارة العراقية -المعينة من طرف سلطة الاحتلال- منتصف يناير/ كانون الثاني 2004 العمل بنظام البطاقة التموينية مخصصة مبلغ أربعة مليارات دولار لدعم المواد الغذائية الضرورية، وملغية بذلك مبدأ تعويض المواطن العراقي بمبلغ من المال بدلا عن البطاقة التموينية وكان قد شاع نهاية السنة الماضية أن التعويض سيحل محل نظام البطاقة
ويذكر د. منقذ محمد داغر أن مؤسسته (المعهد المستقل لدراسات الإدارة والمجتمع المدني) أجرت استطلاعا أوضح أن 90% من المستهلكين العراقيين يفضلون إبقاء البطاقة التموينية بدلا من التعويض المالي
وقبل ايام كشف مصدر مطلع في وزارة التجارة، أن الحكومة العراقية بصدد إلغاء البطاقة التموينية استجابة لشروط صندوق النقد الدولي الرامية لـ”إصلاح” الاقتصاد العراقي، مبينا أن الأمر سيتم تطبيقه بشكل رسمي بعيد الانتخابات العامة المزمع اجراؤها في 12 ايار المقبل- ونقلت صحيفة العالم الجديد، عن مصدررسمي ، إن “حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي وافقت على إلغاء البطاقة التموينية بشكل نهائي خلال العام الحالي، ضمن سلسلة شروط وضعها صندوق النقد الدولي تهدف لإصلاح الاقتصاد العراقي ودمجه بالاقتصاد العالمي وتسهيل حصوله على قروض بفوائد ميسرة من أجل سد العجز في موازنته التي تعرضت الى النقص بسبب التدني المستمر بأسعار النفط” وأوضح أن “الأمر بات بحكم المؤكد، لكن الاعلان عن هذه الخطوة سيكون بعد الانتخابات المقبلة تجنبا لاثارة الشارع العراقي الذي اعتاد الاعتماد على البطاقة التموينية كمصدر قوت منذ نحو ثلاثة عقود تقريبا”، لافتا الى أن “توصيات الصندوق تشمل ايضا اعادة هيكلة البنوك العراقية وادخال تعديلات جوهرية على القوانين الاقتصادية خاصة قانون الاستثمار لدفع رجال الأعمال والشركات على الاستثمار- ولفت المصدر الى أن “العد العكسي للاعلان بدأ منذ مدة ليت بالقصيرة حين تم تقليص مفردات البطاقة، فضلا عن التلكؤ بتوزيعها حتى باتت تمنح ست مرات في العام الواحد بدلا من 12 مرة أي بواقع كل شهرين بدلا من شهر واحد”، مبينا أن “هذا الأمر انعكس سلبا على أصحاب المطاحن الذين تعرضت مهنتهم الى الكساد بسبب تباعد فترات الاستعانة بهم لتهيئة مادة الطحين في البطاقة التموينية، وتقليص حصصهم من الحنطة”.
وتشير اللجنة المالية النيابية ان “موضوع انهاء البطاقة التموينية لم ياتي من الحكومة لكن ما موجود حسب شروط صندوق النقد الدولي بان تحول البطاقة على شكل نقدي وليس عيني ، لتقليل الفساد و ترشيد الاستهلاك وهذا سيؤدي الى زيادة الميل الحدي نحو الادخار ويقلل من الميل الحدي للاستهلاك مما سيصب من مصلحة المواطنين”- واضافت ان “الحكومة تصرف مليارات الدنانير من اجل وصول المواد الغذائية الى المواطنين، ففي احد الاحصائيات كشفت عن ان قيمة ما يوازي دولار واحد من السلع يكلف الدولة بنحو دولار و30 سنت حتى يصل الى المستهلك الاخير وبالتالي هذه تكلفة باهظة لايصال المواد الغذائية “، مبينا ان “المبلغ الذي سيوزع على جميع سكان البلاد وضع في الموازنة الاتحادية وينتظر الاقرار ، اذ ستوزع المبالغ للاشخاص وليس للعائلة على اعتبار العائلة قد تختلف احجامها من منطقة الى اخرى”.واشار الى ان “حجم المبالغ المرصودة في الموازنات السابقة للبطاقة التموينية كبيرة جدا حيث انه رصد في موازنة 2015 نحو 5 تريليونات دينار وبعد انخفض الى 2 تريليون و15 مليار دينار وتم تخفيضه في السنوات الاخيرة بسبب انخفاض اسعار النفط لكون البلد معتمد على ايراد ريعي وهو النفط”.
يذكر أن الكثير من العراقيين يعتمدون على ما تزوده بهم البطاقة التموينية في حياتهم اليومية منذ بدء الحصار الدولي على العراق في العام 1991 بعد غزوه الكويت وتقدر قيمة هذه المواد بالنسبة للفرد الواحد في السوق المحلية بنحو عشرة دولارات من دون احتساب حليب الأطفال، وذلك وفقا للأسعار في الفترة التي سبقت قرار إلغاء البطاقة، في حين يتم الحصول عليها عن طريق البطاقة التموينية بمبلغ 500 دينار فقط. ونتساءل\\” ما مصير الفقراء ، وماذا عن ذوي الدخول العالية؟”. وعن تفاصيل هذا الملف نشير إلى ما ذكره معاون مدير عام دائرة التخطيط والمتابعة حيدر نوري جبر” قمنا بتوزيع 34 مليون بطاقة تموينية”، وذكّر خلوصي أن عدد سكان العراق يبلغ 29 مليون نسمة متسائلا ” لمن وزعت 5 ملايين بطاقة تموينية وهمية، أليس هذا هو الفساد الإداري بعينه
أن “ما تنفقه الحكومة سنويا على الحصة التموينية يبلغ %7 من مجمل إنفاقها، وهذا يفوق ما تنفقه على قطاعي الصحة والتعليم من غير الإنصاف أن يتساوى من يبلغ دخله 10 آلاف $ شهريا، بمن دخله 400 $، فيمنحان نفس الحصة التموينية” هذه الخطوة ستفتح السوق على مصراعيه لاستغلال التجار”
ويدل الاختلال والتراجع في الأداء بخصوص إدارة مفردات البطاقة التموينية على الفشل الحكومي المتصاعد في مجال توفير الحد الأدنى لمتطلبات الغذاء للغالبية العظمى من السكان ، حيث شهدات السنوات 2003 – 2016 تراجعا في عدد المفردات وكميات ونوعيات ومواعيد التجهيز بعكس الوعود التي قطعها ( المعارضون ) للنظام البائد الذي اقسموا على زيادة المفردات من 12 إلى 45 على الأقل ، وبعضهم ممن تولوا إدارة الحكم بعد 2003 والذين أوصلوها إلى 4 مواد تتأخر شهريا وتغيب أحيانا لشهور ، والمواطن العراقي البسيط يقول إن الهدف من بقاء البطاقة التموينية وعدم إلغائها ليس غرضه خدمة المواطن وإنما يعود إلى سببين أساسيين على الأقل ، أولهما لأغراض إحصائية وتوثيقية رغم الطعونات بصحة البيانات التي تتضمنها ، إذ لم يتم إجراء إحصاء سكاني بعد ( التحرير ) وثانيها استخدامها كوسيلة للسرقات لأنها مخترقة ولم تتم المساءلة عن فسادها بشكل جاد ، ويسود اعتقاد لدى البعض بان ضعف الاهتمام بمفردات البطاقة التموينية ربما سيسهل في يوم من الأيام إلى إلغائها دون إحداث ضجة من قبل الجمهور فهي مثل الإنسان الذي يتم إضعافه يوما بعد يوم لغرض موته بشكل بطيء ، ومن يضع هذه الافتراضات لا يعلم بعد بما يمتلكه الشعب العراقي من مخزون في مواجهة الظلم لا سيما عندما يتعلق الأمر بلقمة العيش والكرامة الإنسانية والاستحقاق الوطني ، فإيصال الناس إلى مرحلة الإذلال والتجويع ربما ستكون القشة التي ستقصم ظهر البعير كما يقول المثل الشائع ، فالتموينية ترتبط بذكريات وأحداث ما مر على العراقيين منذ 1990 ولحد اليوم وهي ذكريات أليمة بالفعل ، فقد كانت هذه البطاقة الملاذ الآمن للعراقيين في سنوات الحصار الجائر المفروض عليهم وليس على النظام ، ولو كان هناك عقلاء بالمعنى الصحيح لجعلوا من التموينية بارومتر للاستحواذ على حب واحترام الناس من خلال توفير الأفضل فيها لنيل الرضا والقبول ، ومن وجهة نظر نسبة مهمة من العراقيين فإنهم لا يزالون يتطلعون إلى التموينية كمنقذ لهم في توفير الغذاء بمختلف الازمات ويرفضون إلغائها للحاجة الحقيقية لها ، وان محاولات اغتيالها وإهمالها يشكل خيانة كبرى للفقراء وحين نقول الفقراء فنحن نقصد الغالبية العظمى من السكان ، لأن الغنى بات حكرا على فئات محددة من الشعب أكثرهم يحتفظون بأموالهم خارج العراق ولهم ملاذات للهرب في التوقيت المناسب حين يظهر الشعب غضبه الحقيقي ، فالجوع والتجويع من محركات الثورات عبر التاريخ والقصور والتقصير في توفير مفردات البطاقة التموينية تعد خيانة عظمى لعموم الشعب والفقراء