23 ديسمبر، 2024 4:40 ص

اذا لم تتمكنوا من التكنولوجيا ، فاعتنقوا الثقافة

اذا لم تتمكنوا من التكنولوجيا ، فاعتنقوا الثقافة

وأنا منهمك بقراءة الدراسة المطوّلة والمهمة المعنونة : أشكال من الديمقراطية ..
والتي أعدها الاستاذ روبرت أ. دال، (الأكاديمية البريطانية)
وقام بترجمتها د. زهير الخويلدي (كاتب في الفلسفة – تونس) ونشرتها جريدة عالم الثقافة (الالكترونية)..
خطرت في بالي افكار عديدة وانا أرى حجم الجهد الفكري الذي بذله الكاتب ومقدار الفائدة التي اودعها في هذا النص الكبير أضافة الى الجهد الذي بذله الدكتور زهير الخويلدي في ترجمة هذه الدراسة الى العربية .( ارسلت له رسالة شكر على جهده المخلص)
استعراض تاريخي رصين لتطور اشكال الحكم الديمقراطي منذ الحياة السابقة لمرحلة ألاستقرار والزراعة وبناء المدن والى عصرنا الحالي..
لا أريد تلخيص وعرض ماجاء في الدراسة لان هذا ليس هدفي من هذه المقالة ، بل اردت التركيز على العلاقة الوثيقة بين الديمقراطية والتعليم او الوعي والثقافة بين الجمهور.
لامعنى للديمقراطية اذا تم تطبيقها على مجتمع جاهل ، ولن تنجح بدون مؤسسات ضرورية لنجاحها ولن تنجح بدون وعي وادراك لضرورتها والشعور بالحاجة لهذا الشكل من اشكال الحكم ..
اقتبس فيما يلي هذا النص لاهميته ولأنه يلقي الضوء على عراقة الفكر الديمقراطي في الغرب الاوربي كمثال :
(حوالي 800 م ، بدأ الأحرار والنبلاء في أجزاء مختلفة من شمال قارة أوروبا في المشاركة مباشرة في الجمعيات المحلية ، والتي أضيفت إليها لاحقًا الجمعيات الإقليمية والوطنية المكونة من ممثلين ، تم انتخاب بعضهم أو جميعهم ، في الوديان الجبلية لجبال الألب”). انتهى الاقتباس..
لقد شكلوا جمعيات تمثيلية منتخبة قبل ١٢٠٠ سنة !!وتم انتخابهم في الجبال والوديان !!
وعندما قرأت طبيعة الحوارات التي دارت في المؤتمر الدستوري الامريكي سنة ١٧٨٧، ابهرني النقاش الفكري بين ماديسون وويلسون حول المصطلحات ودلالاتها واي منها يناسب الولايات المتحدة.
النقاشات الحادة والجدّية حول معاني المصطلحات وكيفية تبنيها وتطبيقها أخذت حيزاً كبيراً ، حيث دار حوار طويل حول معنى الديمقراطية ومعنى الجمهورية وكيفية تطبيقهما في الولايات المتحدة..
ناقشوا طويلاً معنى التمثيل الشعبي الذي يؤدي الى وجود ديمقراطية حقيقية يكون فيها الشعب هو السلطة العليا..
ناقشوا حقيقة استبعاد النساء والعبيد والسكان الاصليين والعديد من العبيد المحررين وكيف ان ذلك ينفي صفة الديمقراطية الحقيقية ( حسب التعريفات الفلسفية الاغريقية والرومانية) عن الصيغة المقترحة للنظام الامريكي..
درسوا الارتباط بين فرض الضريبة على الافراد وحقهم في المشاركة في الحكم..
درسوا تطور الفكر السياسي الاوربي وتواصلوا مع كبار فلاسفة السياسة ..
اقتبس فيما يلي نصاً ذو اهمية يعكس حجم النشاط الفكري المصاحب لبناء تجربة ديمقراطية رصينة :
(بعد زيارته للولايات المتحدة في 1831-1832، أكد عالم السياسة الفرنسي ألكسيس دي توكفيل بعبارات لا لبس فيها أن الدولة التي لاحظها كانت دولة ديمقراطية – في الواقع، أول ديمقراطية تمثيلية في العالم، حيث كان المبدأ الأساسي للحكومة ” سيادة الشعب “. وصل تقدير توكفيل لنظام الحكم الأمريكي إلى جمهور عريض في أوروبا وخارجها من خلال دراسته الضخمة المكونة من أربع مجلدات “الديمقراطية في أمريكا” (1835-40).) انتهى الاقتباس.
اربع مجلدات لدراسة الديمقراطية الامريكية … هذه تعني الكثير جداً .
وان الديمقراطية ليست لفظة فارغة وعابرة يتداولها الأميون وأشباه المثقفين الذين لم يقرأ معظمهم كتاباً جاداً في حياته .
السياسيون الاوائل في الولايات المتحدة كانوا مثقفين كباراً تشربوا الفكر الفلسفي اليوناني والروماني وكانوا اساتذة في العلوم والقانون والفلسفة .
أقول ان استقطاباً تاريخياً قد وقع بالفعل وأخذت الدول المتقدمة دور القيادة العلمية والتكنولوجية في العالم ومن العبث التفكير بمجاراتها .. بل يمكن لنا الدخول كشركاء مع العالم المتقدم .
لكننا لازال لدينا ميدان الثقافة الواسع والمتاح والذي يمكن من خلاله تحسين مستوى تفكيرنا وتنظيم علاقاتنا داخلياً ومع العالم وبناء تحالفاتنا المفيدة التي يجب ان تبنى على قواعد منطقية بدلاً من شعارات التحميس (كما يسميها المرحوم علي الوردي).
ثقافة الجمهور العريض وثقافة الطبقة السياسية شرط حتمي وقطعي لنجاح الديمقراطية..
حسن النية والاخلاص الساذج غير المدعوم بثقافة رصينة ومستوى عالٍ من الادراك لحقائق الحياة وواقع العالم المحيط بنا ..لن يكون كافياً لبناء دولة ذات معنى..
ليس المقصود هنا بالثقافة المطلوبة ، الذهاب الى دراسة الفكر اليوناني والروماني ، ولكن على الأقل الاطلاع على اشكال نظم الحكم في العالم وحقائق السياسة الدولية وطبيعة العلاقات الاقتصادية والاحاطة بطبيعة الاقتصاد والمجتمع العراقي وتاريخه. وحتى الثقافة الدينية يجب ان تكون ثقافة بحقيقة الدين وقواعده الاخلاقية بدلاً عن ثقافة تحليل الخطايا والانتهاكات تحت ذريعة الفتوى الدينية..
ختاماً، لفت نظري في السجال السياسي الامريكي وقبله الاوربي ، طرح موضوع الفئات التي تستحق التمتع بالحق الديمقراطي !!
التصويت والمشاركة في صنع القرارات مسؤولية خطيرة ليس الجميع مؤهلاً لها !!
طُرحت فكرة “الديمقراطية العملية”، وهي التي تجعل التمثيل والتصويت بنّاءً ومجدياً .
انا أقول على سبيل المثال : لماذا يشارك الأميون في الانتخابات ؟؟ ماالذي يعرفه هؤلاء عن شؤون الحياة والسياسة وافضل الاختيارات ؟؟
اذا كانت حقوق عاطفية فتلك قضية أخرى ، أما اذا كانت تتعلق ببناء بلد فأن الأميين سوف يكونون مادة قابلة للشراء والتلاعب من قبل السياسيين الفاسدين ..