23 ديسمبر، 2024 6:08 ص

اذا الشعب اراد الحياة

اذا الشعب اراد الحياة

لا بد ان يستجيب القدر كما قاله الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي الذي ربط كل شيء باستجابة القدر، وهكذا علمونا ونحن ندرس الادب العربي. هكذا ربطنا كل مقدراتنا بالقدر وما تخفيه لنا تلك الاقدار. حتى غدت كل المعاناة التي نعيشها منسوبة الى عدم استجابة القدر. فماذا لو لم يستجيب القدر؟ بحسب الشابي فإننا سنبقى ننتظر رحمة القدر ونعزي كل الماسي التي نرضخ تحتها الى خيانة القدر.

انا اختلف جذريا مع هذا الطرح، فليس من المعقول ان يتمنى الطالب النجاح دون ان يدرس ويسهر ويؤدي الامتحان. فليس من العقل ان يتمنى الشعب من يصنع له الرفاه وهم على الارائك متكئين في غرفة مظلمة. ليس من الحكمة ان نتمنى رؤية الشمس دون ان نفتح النوافذ ونزيل الستار.

تجربة عشتها انا شخصيا في احدى المطاعم التي اتردد عليها على الدوام بمدينة كركوك. حيث قرر صاحب المطعم الغاء تقديم الحساء للزبائن. بينا عدم رضانا من هذا الامر وقد برر صاحب المطعم قراره في الغاء تقديم الحساء بمبررات واهية فاهية. بقي الامر على ما هو عليه لأكثر من عام ونحن نلح عليه بالعدول عن قراره، حتى وجدنا مؤخرا ان صاحب المطعم قد بدأ يقدم الحساء من جديد. نادينا العامل في المطعم وسألناه، ماذا حدث وقد بدأتم بتقديم الحساء من جديد؟ فقال ان عائلتين من الزبائن خرجوا من المطعم بعد ان علموا ان المطعم لا يقدم الحساء وان صاحب المطعم خشي فقدان الزبائن بعد ذلك.

عائلتين فقط تمكنا من اجبار صاحب المطعم الذي كان يصر على عدم تقديم الحساء على اجباره للرجوع عن قراره وارضاخه للأخذ برغبة الزبائن. هاتين العائلتين كانتا افضل منا نحن الذين كنا نطالب صاحب المطعم بتقديم الحساء دون ان نتخذ اجراء معينا في اجباره على تلبية مطالبنا. اعترضنا ورغم اعتراضنا كنا ناكل في نفس المطعم، الامر الذي ادى بصاحب المطعم الى الاستهزاء بنا وبمطلبنا، فليس هناك من بأس على عمله. اما اذا كنا قد تركنا المطعم وخرجنا وتركنا التردد على المطعم اصلا لكنا قد اجبرنا صاحب المطعم على ان يفكر الف مرة ومرة كما فعلت هاتين العائلتين. لكننا تركنا الامر للقدر والامنيات التي لم تقدم لنا شيئا قط كما كانت الجاهلية تترجى الخير من هبل.

اذن الامر متعلق باتخاذ الاجراءات والضغط من خلال المقاطعة. فالمقاطعة والعصيان هي اكبر الوسائل المدنية في الضغط على الادارات وتعديل سلوكها. وهنا يبرز دور التنظيمات المدنية في توجيه المجتمع للمقاطعة والعصيان المدني واحساس المقابل بانه لا شيء اذا لم يكن هناك شعب. فالقائد ليس بقائد اذا لم تكن هناك رعية وشعب يقتادون به. وليس هناك معلم اذا لم يكن هناك طالب يدرس ويتعلم تحت يديه. فلا معنى للسان اذا لم تكن هناك اذان صاغية، فلماذا نتحدث اذا لا يستمع احد. والذي يتحدث دون ان يكون هناك شخص يستمع اليه يسمى مجنونا ليس الا. فاللسان يجب ان يقابله اذن تسمع. فالشعب هو الذي يصنع القدر وليس القدر من يصنع مستقبل الاجيال. ومن لم يعانقه شوق الحياة، تبخر في جوها واندثر. ودمتم في امان الله.