19 ديسمبر، 2024 5:47 ص

اخطاء السيد عبد الباري عطوان الفظة

اخطاء السيد عبد الباري عطوان الفظة

في كتابه الدولة الاسلامية، الجذور، التوحش، المستقبل
من الصعوبة ان يقنعنا السيد عبد الباري عطوان بان كتابه عن الدولة الاسلامية الصادر هذا العام عن دار الساقي بلندن هو بحث محايد وانه كصحفي محترف اراد فقد ان يفينا بالمعلومات والمعطيات التي لديه او جمعها من مختلف المصادر ذات العلاقة المباشرة اوغير المباشرة بالتنظيمات الاسلامية المسلحة بما في ذلك القاعدة وداعش، حيث التقى اسامة بن لادن وقيادات من داعش، وتابع مصائرها وتنقلاتها.

لايمكن ادراج كتاب عطوان في خانة الكتب الاكاديمية البحثية الرصينة، التي تطمح لسبر اغوار قضية او مشكلة من اجل استيعابها بالكامل لتحقيق اهداف معينة ازاءها. انه عبارة عن مقالات مسترسلة تحاولا المسك بالموضوع واستيفاءه قدر ما هو ممكن، وفيها سرعة ايقاع. ان الكتاب في مظهره جاء لدراسة ظاهرة راهنية تشغل الراي العام العربي والدولي، واذا اعتمد منهجا وصفيا لكنه فيما خلف السطور يفاجئ القارئ بالترويج والدعاية لتوجهات ما يسمى بالدولة الاسلامية.

من الواضح ان عطوان وكالعادة يبالغ ويضخم ويرسم ويضع الصور تحت مجهر لتكبير الصغائر وتحويل الاقزام الى عمالقة والاحداث المؤقتة الى نزعة مستديمة ان عطوان ماخوذ باللحظة متصورا انها ابدية لانه يفتقد للحس التاريخي وينبهر بكل بريق وصوت زاعق ويتخذ مظهر من عثر على المخلص كما عثر السحرة على السيد المسيح هكذا راهن على طغاة وملوك ودول بانها ستحرر فلسطين وترمي اسرائيل في البحر وهاهو يظهر امامنا مبهورا بداعش وقياداتها. فقيادات داعش يتحولون لديه الى رجال استراتيجية ” عظماء” وهي تملك بنك عقول وادمغة متخصصة في علوم كثيرة ادارية وعسكرية وسياسية واعلامية وامنية تضع الخطط والدراسات وتنظم العمل في مؤسساتها. ولديها جيش ليس له مثيل في العالم. وبتوقعات عبد الباري عطوان ان ما يسمى بالدولة الاسلامية ستصمد امام القوى الاقليمية والعالمية ولن تغيب عن الارض بل وستزحف للسيطرة على المملكة العربية السعودية ودول الخليج وتواجه اسرائيل في عقر دارها…وستواجهة قوى التحالف الدولي.

بهذه النبرة والخطاب يتناول عبد الباري عطوان في كتابهمواصفات داعش، بل وبرايه يخطئ من يعتقد ان الدولة الاسلامية هي تنظيم ارهابي فهي بقناعته ” دولة” وفق القانون الدولي. ولست اعرف عن اي قانون دولي يتحدث عطوان. فللدولة يجب ان تكون على الاقل حدود واضحة ومعترف بها. ويشي خطابه بالترويج لداعش ويترك لدى القارئ الانطباع بانها القوة الاخيرة التي خلقتها الامة الاسلامية / العربية للخلاص من الظلم والاستعمار والتبعية والانظمة الفاسدة والدول الفاشلة وانها بالتالي ستقوض اسرائيل التي عجزت الانظمة العربية عن رميها بالبحر ولكن هذا هدفها البعيد وهدفها الحالي تدمير الدول العربية واقامة دولة الخلافة عليها وسيعترف حتى الملا عمر اما الطالبان بالخليفة الجديد ابو بكر البغدادي لانه احق بالخلافة علينا. ولكن عطوان لا يكلف نفسه العناء ليقدم لنا البراهين لاقناعنا باستنتاجاته، ويتحدث وكانه يطلق حقائق لا نقاش عليها ، داعش قادمة لكم وهذا قدركم الافضل، ان كل جملة بكتاب عطوان تتسربل بهذه المقولة. وهو يقول الحقيقية حينما يشير الى ان الحركات الاسلامية الرجعية والمتطرفة جاءت كرد فعل على الواقع المتردي في العالم العربي / الاسلامي، ولكنه لا يكلف نفسه عناء التحليل والامعان في التفكير ليكتشف ان هناك قوى عربية تدرك هذا الواقع وترسم برنامجا تطوير ومستقبليا وبرامج مدروسة للخروج من هذا الواقع وتدرك ان ترحيل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الى اطار ديني والحديث عن فرض قوانين وقيم القرن السابع على شعوبنا هو هروب عديمي يسير نحو تفتيت الامم والدول وتغيبها ان المشروع الوحيد لانقاذ الدول واحياء وظائفها في تحريك نهضة للشعوب وتفعيلها للانتاج والانجاز والمساهمة بدورها الحضاري هو التفاعل مع عالم اليوم والاستفادة من منجزات الامم الاخرى في كافة المجالات لاستعارة واستيعاب وتمثيل ما يمكن تطويرة وتجنيده في بلدانها. ينبغي ان نكون مع المستقبل انه اكثر حقيقية ومنفعة من الماضي التالف.ويمتدح عبد الباري عطوان بصورة غير مباشرة الممارسات الوحشية وقطع الرؤوس واغتصاب النساء وبيعهن في سوق النخاسة ويشرعنها ويبررها بانها اسلوب لاثارة الرعب والخوف في قلب الخصم، ولهذا الغرض يفرد فصلا كاملا من كتابه ليتناول العنف في التاريخ في الماضي والحاضر ويعتمد مصادر غربية ليقول لنا ان كل الحضارات والثقافات مارست الوحشية وان كل الامبراطوريات وان هذا التوحش ليس بالامر الجديد قامن على بحور من الدم ونتيجة اعمال عنف وان داعش مثلها مثل غيرها. وان طموح الدولة الاسلامية لتاسي خلافة لا يجب ان يكون مدعاة للغرابة لا بل انه يمضي ابعد من ذلك ليصور لنا ان ان النبي محمد (ص) واصحابه وخلفاؤه وجيش المسلمين لم يترددوا في التعامل بدموية ودون رحمة مع المرتدين، وحسب ما يقول : لم يقف العنف عائقا امام النبي محمد الذي فهم قوة الخوف فقد ضمن ولاء مناصريه من خلال العقاب العلني للخونة، ولإثارة الرعب في قلوب الكفار اعلن النبي محمد الحرب عليهم قائلا “جئتكم بالذبح”. على هذه الشاكلة يساهم عطوان في الترويج لما يردده اعداء الاسلام انفسهم عن ما يزعمون بدموية الاسلام، مقتطعين عن عمد الحدث والموقف من خلفياتها التاريخية، وانه لا يدخل في اطار العبادات المفروضة على كل مسلم. ويشير بافتخار الى التحاق الشباب المغتربين في دول

اللجوء الغربية بدولة داعش لممارسة التوحش وقطع الرؤوس واغتصاب النساء … متجاهلا اننا كنا ننتظر عودة هؤلاء الشباب لبلدانهم وهم يحملون شهادات علمية ويتقنون مهن ومهارات حديثة ويكافحون من اجل التطوير والعصرنه والتغيير السياسي والاجتماعي المطلوب لتوفير حياة كريمة.

ان عطوان يرسم صورة يظهر من خلالها وكأن المجتمعات الاسلامية تدعم داعش وتنظر لها كانها المنقذ من براثن العولمة والحداثة وتكنلوجيات الغرب وثقافته المعاصرة، وان هناك تدفقا وسيل للمهاجرين من اوروبا الى المدن والقصبات التي تسيطر عليها داعش بسوريا والعراق، فهناك من تلك الانقاض وعلى شاساس الوحشية وقطع الرؤوس سيظهر “المارد” العربي ليبني الخلافة كما كانت عليه في زمن الرسول (ص) وتطبق الحدود. ان هذه المبالغات تهدف ربما الى الحث على الالتحاق بداعش، رغم ان معطيات عطوان غير واضحة وغير دقيقة، ومشوهه على عمد. ان عطوان يقف مثل طفل مبهور امام ” غول” ظهر له فجأة. ان نخبة المجتمعات العربية/الاسلامية وافضل مثقفيها وادباؤها وعلماؤها وممثلي الرأي العام من مختلف التوجهات، ادانت داعش بصراحة ونأت بنفسها عنها لانها قوى تنظر للمستقبل وترفض جر الامة الى براثن الماضي مهما كان مجيدا وذهبيا.

اننا حقا بحاجات الى دراسات عن الظواهر في مختلف مجالات الحياة، ولكننا نريدها موضوعية وعميقة وليست دعائية انفعالية تُحسن الوجوه القبيحة وتظلل الحقائق الساطعة وتخرج باستنتاجات فظة، مثل ما استنتج عطوان من ان البقاء سيكون لداعش وليس للدول، ناسيا ان الامبراطوريات التي مرت عليها فشلت بمحوها من على خارطة التاريخ وهو يخلط بين الدول والانظمة. نحن بحاجة الى التمتع بالتفاهم حول الالويات وتوفير المناخ الصحي في مجتمعاتنا ليتنفس الجميع ويتمتع بحقوقهم كمواطنين وكبشر.

أحدث المقالات

أحدث المقالات