أعتقد ان اصعب حالة يمكن ان تعيشها أم او زوجة هي انتظار مالايأتي ..ومن سوء حظ النساء العراقيات انهن عشن هذا الانتظار لأكثر من مرة وبأزمان مختلفة ، فقد عاشت نساء من اطلق عليهم ( المفقودين) في الحرب العراقية –الايرانية مرارة لايمكن وصفها بانتظار عودتهم من المجهول فلارسالة منهم تثبت كونهم أسرى ولاجثة تثبت وفاتهم ، وهكذا غاب المفقودون مع اسرار فقدانهم تاركين احبتهم يعيشون انتظارا مضنيا ..بعدها بسنوات ، غيب النظام الدكتاتوري الحاكم في العراق أعدادا كبيرة من ابناء المحافظات التي شاركت في الانتفاضة الشعبانية في اختفاء قسري وظلت المرارة تملأ قلوب اهاليهم الى أن سقط النظام وانكشفت بعض الأسرار فكان من حسن حظ الاهالي ان عثروا على عظام أحبتهم المفقودين في أكثر من مقبرة جماعية ..
واستمر مسلسل الاختفاء القسري في السنوات اللاحقة ولكن في ظل ظروف جديدة ، فهنالك من اختفى خلال احداث العنف الطائفي وضاع دمه بين القبائل ولم يتمكن أهله من اتهام جهة ما باختطافه لدرجة ان من عثروا على جثث أحبتهم في دائرة الطب العدلي أو بين اكوام النفايات كانوا محظوظين جدا لأنهم قاموا بدفنهم بأنفسهم ، وهنالك من ساقته الاقدار الى أن يكون ضحية مجزرة سبايكر وظل أهله حائرين بين ان يعتبرونه شهيدا من بين الذين اطلق عليهم مسلحو داعش الرصاص والقوهم في النهر أو من بين الناجين الذين اختفوا قسريا لاخفاء أسرار المجزرة ، ومابين المصيرين الاسودين ، تتفتت قلوب الامهات كمدا بانتظار من لايأتي ..
ولم يقف الأمر عند ذلك بل تكررت حالات الاختفاء القسري في مناطق جزيرة تكريت والموصل والرزازة والصقلاوية وكركوك واختفى العديد من المواطنين في حوادث معروفة وعلى يد مسلحين او ميليشيات حكومية أو ترتدي اللباس الحكومي ولم تجد نفعا تلك الشكاوى العديدة التي تقدم بها اهاليهم الى الجهات الحكومية و منظمات حقوق الانسان داخل العراق وخارجه فقد غابوا مع أسرارهم لتظل تلك الأسرار حبيسة في صناديق محكمة ولاتفوح الروائح النتنة لأفعال من يقف وراء اختفائهم ..
يمكن تعريف الاختفاء القسري حسب الاتفاقية الدولية لحماية الاشخاص من الاختفاء القسري بانه اعتقال او احتجازاو اختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة او أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون باذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها ، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو اخفاء مصيرالشخص المختفي أو مكان وجوده مما يحرمه من حماية القانون ” وعلى الرغم من انضمام العراق الى هذه الاتفاقية في عام 2010 الا ان الحكومة العراقية لم تعمل على اعادة المفقودين الى اهاليهم او الكشف عن اسرار اختفائهم ولاأظن انها ستخاطر بذلك حتى لو توصلت الى فك الغاز تلك الاختفاءات فمن الغباء أن تكشف الحكومات ظهورها لشعوبها !!
مؤخرا ، عادت حوادث اختفاء العراقيين لتتصدر اخبار أنشطة المسؤولين فقد وجدوا فيها اوراقا انتخابية جاهزة وهكذا عملوا على استدعاء اهالي المفقودين او زيارتهم في مناطقهم لطمأنتهم على وجود عيون ساهرة لن تنام حتى تبلغهم بمصائر ابنائهم أوتعيدهم اليهم ..وهكذا تبدأ مهزلة جديدة من مهازل الانتخابات يلعب فيها السياسيون على نياط قلوب الامهات ، واذا كانت القوانين الدولية تعتبر الاختفاء القسري جريمة ضد الانسانية ، فالممارسات الانتخابية لدينا هي جريمة أبشع ضد اهالي المفقودين ..