18 ديسمبر، 2024 7:09 م

اختطاف منصة التحرير

اختطاف منصة التحرير

لم يحن وقت القطاف بعد، ولم تنتصر الثورة، بل لم تزل تفصلنا عن النهاية أشواط من النضال والتعب والعرق، فلماذا الاستعجال بطرح أسماء سبق أن رُفضت من قبل الكثيرين؟ هل غادرتنا الحكمة التي اطلقنا بموجبها تسمية جبل أحد على المطعم التركي فتعجل بعضنا النزول جرياً وراء مكاسب موهومة؟

لنتذكر بأن المسلمين خسروا معركة أحد بسبب الطمع في المغانم والأسلاب، وتركوا – عن غير إرادة منهم – درساً عميقاً، على أصحاب القضايا دائما أن يضعوه نصب أعينهم. فمن الحمق والتسرع أن تسعى لجني ثمار ما لم يكتمل إنجازه أصلاً.

المعركة مع النظام لا زالت في مراحلها الأولى، ومخطئ كل الخطأ من يتوهم أن استقالة رأس الحكومة قد حسمت المعركة. فالحق إن هذا الهدف ليس فقط لا يستحق أن يُعادل بشيء من الدماء الزكية التي أريقت، بل إنه لا يستحق أي عناء يذكر. إذ ما قيمة أن تستبدل فردة حذاء قديم بأخرى مثلها؟
إن اللائق بثورة كبرى كثورة تشرين المجيدة هو ان تقتلع شجرة الفساد من جذورها العميقة، فالتغيير الجذري لابد أن يكون هدفها، لا ما يصوره إعلام النظام، وعرابوه من أهداف بائسة تُبقي على النظام وعلى حاضنة فساده المتمثلة بالدستور المشوه.

من هنا فلا معنى لأن يفتتح البعض سوق الترويج لأسماء مقترحة لمنصب رئاسة الوزراء، فهذا إن لم يكن وقوعاً في فخ النظام، فهو، إذن، التفاف كالتفاف خالد بن الوليد وطعن للثورة في خاصرتها الرخوة. ولا معنى لتصوير تشكيل ما يسمى بمفوضية انتخابات جديدة، والدعوة لانتخابات مبكرة في ظل نفس النظام ونفس الدستور على أنه القمر الذي تتطلع الثورة لطبع قبلة على خده، فهذا تسطيح، بل تسخيف لمطالب الثورة، التي يجب أن تُستوحى من تجربة المخاض الطويلة والمريرة التي مرت بها، ومن معاناتها وتضحياتها الباهظة جداً.

على المنصة أن تكون أمينة ووفية لوظيفتها كمعبر عن إرادة جموع العراقيين المنتفضين وتطلعاتهم، لا أن تتحول إلى أداة لقمع آراء الآخرين لحساب رأي ثلة، أو جماعة، لأنها بذلك تفقد مشروعيتها وتتحول إلى صوت عالٍ يثير الازعاج لا أكثر.

من الواضح إن بعض أتباع السيد مقتدى الصدر قد استولوا على المنصة، وهم الآن يحاولون فرض قناعاتهم على الآخرين، بل إنهم وللأسف يصورون هذه القناعات على أنها قناعات جميع المنتفضين في جميع الساحات العراقية، وهذا أمر – وإن لم يكن مستغرباً بقدر تعلقه بذهنية الجماعة المذكورة – إلا أن توقيته يشير بوضوح إلى أن ثمة مؤامرة يدبرها النظام، مع أطراف خارجية على الأرجح وبمشاركة من الصدريين تستهدف وضع نهاية مزيفة لانتفاضة الشعب العراقي ليتفرغ – أي النظام – للمعركة غير الشريفة التي يراد زج العراق فيها.