23 ديسمبر، 2024 5:30 ص

احمد الله إني لم أكن رئيس وزراء العراق

احمد الله إني لم أكن رئيس وزراء العراق

ربما يخطر على بال احد المواطنين من أمثالي محدودي الاطلاع على تفاصيل الدولة العليا أن يحسد السيد حيدر ألعبادي رئيس مجلس وزراء العراق على ما يتمتع به المنصب من امتيازات أو مكانة سياسية واجتماعية أو إمكانية في صنع القرار العراقي ولكن بعد تقصي الأخبار ومتابعة مجريات الأحداث وتطورها على شاشات الفضائيات حتما سنصل إلى نتيجة واحدة هي أن نستغفر الله العظيم ونتوب أليه أننا سمحنا للشيطان أن يوسوس في عقولنا ونتوسع في خيالنا ونعود إلى رشدنا فنحمد الله آلاف المرات انه لم نكن في هذا المكان لأننا سندرك إن الدكتور حيدر ألعبادي اليوم بين حجري مطحنة ولا اشك في هذا أبدا وهما لا يرحمان وهو في مأزق ولا يخلص منه إلا بقدرة قادر أو بحنكة داهية فهو بين الإرادة الشعبية المطالبة بتغير الوجوه السياسية والمقصود هنا ليس الوزراء فحسب بل وما دونهم وما دون دونهم أي تغير كل مفاصل الدولة المدنية والعسكرية من جهة وبين الكتل السياسية التي يشغل قسم من أفرادها المناصب المعنية وهي محمية بالدستور العراقي الذي نحتمي به جميعا .
طالب الدكتور حيدر ألعبادي قبل عدة أشهر بعد التظاهرات الشعبية بتغير وزراء حكومته ليتمكن من انجاز الإصلاح الاقتصادي الذي نتج عن انخفاض أسعار النفط عالميا والذي تسبب في عجز الحكومة عن الإيفاء بالتزاماتها الطبيعية للشعب وتوفير الخدمات بالحد الأدنى وطالب لإنجاز ذلك بتخويل شعبي وتحقق له ما أراد وأكثر من ذلك إن المرجعيات الدينية شاركت ودعمت هذا التخويل ثم ذهب إلى البرلمان وطالب بتخويل برلماني وحصل له مراده وباركت كل الكتل السياسية المشتركة معه في الحكومة جهوده ولو بدرجات متفاوتة لا بل إن دول العالم المعنية بالشأن العراقي دعمت رغبته تلك وباركتها فحصل له من التأيد والمناصرة ما لا يمكن أن يحصل لغيره أبدا وصار الجميع يتحدث عن تشكيل حكومة بمسمى جديد عنوانه التكنوقراط ولكنه (أي الدكتور حيدر ألعبادي) ناقض نفسه وقال نحن ككابينة وزارية منسجمة ومتعاونة مع بعضها ولا نتأثر بالمناكفات والتجاذبات التي تحصل بين الكتل السياسية ونحن في مجلس الوزراء غير معنيين بها فأصبح بذلك أمام مشكلة جديدة صارت عائق له في المضي بمقترحه الذي يصر عليه هي من سيشمله التغير وهل هناك معيار أساسي ونقطة شروع ينطلق منها هذا التغير وما سيتبع التغير من إجراءات يجب أن يقوم بها ؟؟؟
بمعنى إذا أراد أن يغير وزيرا مثلا فهل لان هذا الوزير فاشل أو هدر المال العام أو سرق في وزارته أو انه فاسد وخالف القانون والدستور وهذا يتطلب محاكمته وإذا كان بريئا ونزيها وناجح في وزارته فلماذا يستبدل؟
يجب أن نضع في حساباتنا ونحن نتحدث في هذا الموضوع الشائك والمعقد إن وزراء حكومة السيد ألعبادي هم مرشحون من الكتل السياسية التي تقود العراق وفازت بالانتخابات وهذا يعني إن كتلهم تشكل خط فاصل وحماية لهم وفق مبدأ المنفعة المتبادلة بين الوزير وكتلته إضافة إلى ما ورد في الدستور .
إذا أراد السيد ألعبادي تنفيذ رغبته فانه سيرجع إلى الدستور الذي يحكم العراق شعبا وحكومة والذي فصل حسب قواعد معينة يقر بها الجميع لمن يكون رئيسا لمجلس وزراء العراق ووفق مبدأ المحاصصة بين الكتل فان من يشغل منصبا معين يجب أن يتنازل عن منصب آخر لغيره ويصوت له أي إن كتل البرلمان تعمل وفق مبدأ صوت لي هنا لأصوت لك هناك بمعنى إن هذه الكتل هي من وضعت السيد حيدر ألعبادي رئيس لمجلس الوزراء ووضعت السيد فؤاد معصوم رئيس لجمهورية العراق كما وضعت السيد سليم الجبوري رئيس للبرلمان وكذلك بالنسبة للوزراء وما دونهم ومن ذوي الدرجات الخاصة ونفس الشيء في لجان البرلمان وإذا حدث خلل ما في هذا التقسيم فانه سيخل في التوازن المعمول به وبالتالي سينهدم البناء القائم على أركانه أي إذا أراد ألعبادي أن ينفذ ما أراد ويغير فانه سيحتاج إلى تصويت البرلمان الذي لن يسمح بزحزحة توازنه وهناك مادة في الدستور تربط بين استقالة نصف الحكومة وانهيارها أي إذا استقال نصف عدد الوزراء تعتبر الحكومة بكاملها مستقيلة أي بمعنى إن على الجميع العودة إلى نقطة البداية التي أفرزتها الانتخابات وإعادة توزيع الحصص من جديد .
أقول إننا بعد أن وصلنا إلى هذه المرحلة القاسية التي شلت دورة الحياة الحكومية وتعالت الأصوات المتقاطعة والاقتراحات المختلفة وكثرت وجهات النظر في طريقة الخروج من هذا المأزق أمام ضغط شعبي لا يمكن تجاهله يقوده السيد مقتدى الصدر والقيود التي يفرضها الدستور والخشية من الوصول إلى نقطة اللا تراجع ويصبح السلاح الذي سيطحن أبناء الشعب دون السياسيين هو الفيصل لا سمح الله فهل من عاقل يحسد السيد حيدر ألعبادي على ما هو عليه الآن؟
وإذا تشكلت حكومة تجاوزت كل ما سبق واستطاعت جميع الأطراف أن تتنازل عن حقها وتحت أي وسيلة للضغط الداخلي أو الخارجي ليس من التكنوقراط بل من دهاقنة الخبراء في الاقتصاد الدولي وحتى لو كان يوحى إليهم من السماء فهل يستطيعون حل مشكلات العراق وإنقاذه من الوضع الاقتصادي هذا ومن محنته بخاتم سليمان أو باستعمال خادم مصباح علاء الدين السحري وكم من الوقت ستحتاج؟
نعم لن تتمكن أي حكومة جديدة ستشكل من النجاح في الوقت المطلوب لأنها لا تمتلك عصا سحرية تتجاوز بها التركة الثقيلة جدا التي سترثها وتبدأ القائمة من تدهور أسعار النفط إلى تدهور كل الخدمات وتوقف تام لكل مشاريع الدولة وأزمات واختلافات على كل شيء وشعب غاضب ولا يحتمل تعيين وزراء جدد وينتظر لعدة أشهر لاختبار قابلياتهم في إدارة مفاصل الدولة وبالكاد تستطيع دفع رواتب موظفيها التي تترهل دوائرها بهم غير طابور الشباب العاطل عن العمل.
احمد الله ألف مرة إني لم اشغل مكان السيد حيدر ألعبادي وأدعو له الله أن يعينه على ما ابتلي به .