23 ديسمبر، 2024 5:36 م

بعد نهاية زوبعة الانتخابات ، لنا الحق كله في ابداء بعض الملاحظات على مواقف ينبغي ان تتصف بالمصداقية اثر من غيرها ؛ لانها صادرة عن مؤسسة عريقة عليها اناس حكماء لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون وينطقون بأسم الدين حلاله وحرامه، ومن المفترض بمؤسسة تتوسم تلك المواصفات ان تقع خارج اللعبة السياسية ، وان تحترم  موقعها السامي و المقدس في المجتمع العراقي ، والذي تنحني له كل مكونات الشعب اجلالا وتقديرا ، اذا ما لاحظنا المواقف الحكيمة التي سلكتها في اشد المنعطفات خطورة ، تلك هي المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف .

اقول لنا الحق في تسجيل الملاحظات على كل ما نراه خاطئا حتى لو طالت ملاحظاتنا مؤسسة دينية بحجم المرجعية ، ولا يمكن لاحد ان يغمض اعيننا او يكم افواهنا بحجة انهم اناس مقدسون ، كما اطل علينا في الايام القليلة الماضية شيخ صغير محذرا من المساس بمراجع الدين ومن وصفهم بالقاب اصولهم وخلفياتهم القومية كالباكستاني اوالافغاني…، على خلفية موقف احدهم من الانتخابات وانحيازه الى قائمة ما وقد بانت خيبتها ،وهو محق في هذه النقطة بالذات ، لان النقد ينبغي ان يتوجه الى الموقف لا الى الشخص بذاته ، ومن حق الجميع في الحقل الاعلامي ان يرصدوا المواقف والتصريحات  اينا كان منشؤها ، ولا احد مهما طالت قامته او ارتفعت منزلته ان يقع خارج طاولة النقد ، ان اراد لنفسه ان يكون لاعبا في الميدان ، فقواعد اللعبة تقتضي تحمل تبعات المواقف نهاية الشوط .

 واذا امكن الاغماض عن بعض التصرفات التي رافقت الحملة الانتخابية لاسباب تدخل ضمن حسابات الحرب النفسية وتأثيراتها على الناخبين فلا يمكن تجاهل تصريحات تحمل صفة الالزام الشرعي لشريحة كبيرة من قطاعات الشعب، والتي لا زالت تعتقد بمبدأ التقليد للمرجع الديني في كافة مجريات الحياة حتى السياسية منها مما لا ربط لها بوظيفة الفقيه المنحصرة في الافتاء فقط وفي دائرة العبادات والمعاملات ليس غير.

فقد صدرت مواقف مبطنة من قبل المرجعيات الدينية ظاهرها الوقوف الحيادي وعلى مسافة واحدة من الكيانات السياسية المتكالبة على المقاعد النيابية ، لئلا تستغل كواجهة اعلامية تعبر من خلالها الاحزاب الدينية الى شواطئ اللؤلؤ والمرجان كما تنبؤنا تجارب الانتخابات السابقة ، وباطنها الانحياز الى كيان محدد ، هذا الموقف الحيادي الظاهر والعلني افصح عنه ممثلي المرجعية الكربلائي والصافي من خلال خطب الجمعة ، واكدا على ان موقف المرجعية واضح لا لبس فيه ، داعين الناس الى التغيير وانتخاب الاصلح ، مما يعطي انطباعا باتحاد الموقف من الانتخابات من قبل المرجعية ، مع الاشارة الى الرجوع الى اهل الخبرة في تحديد الاصلح في حال تعذر الوصول اليه …على قاعدة تقليد الاعلم وفي حال التعذر يرجع الى اهل الخبرة في تحديده .

 وهناك صوت يخرج من احد اعمدة المرجعية الدينية يشيرالى قائمة بعينها على انها الاصلح لادارة البلد ،والى شخص بعينه على انه ابن له وللمرجعية ، وبالتأكيد يعد هذا الصوت احد اساطين المرجعية  في النجف وهو من اهل الخبرة في تحديد الاصلح .ولا ننسى ان الرأي السائد الى ما قبل يوم الانتخابات هو ان الناس لا تحيد عن رأي المرجع ولا تنتخب من لا تنتخبه المرجعية ، وهذا الشيخ لا يمثل صوتا واحدا بالنسبة الى استطلاعات الرأي ليقال انه رأي شخصي لا يمثل الموقف الرسمي والمعلن للمرجعية ، وعليه فما صدر من المرجعية كأستدراك على ذلك الموقف لا يمكن قبوله ضمن سياسة  تسقيط الخصوم التي سادت اجواء الحملات الانتخابية .

 ولعل هذا التوجه اودى برئيس القائمة المحتضنة من قبل المرجع الى اعلان الفوز بالانتخابات بعد مرور اقل من ساعتين على نهاية الانتخابات ، وفي بلد مثل العراق تاخذ به مثل هذه الممارسات اياما ولياليا ،وبدأ الحديث عن مرحلة ما بعد الانتخابات والتحالفات مع بقية الكتل على قاعدة الشراكة الحقيقية لا الاغلبية السياسية التي تدعو لها الحكومة ، ثم تطبيق البرنامج الانتخابي وطرد الداعشيين من الانبار ، ولا احد يعلم كيف يحصل ذلك ، فالجيش العراقي هو من يقف على حدود الانبار، الا ان يؤسس جيشا جديدا من البدريين يكون اكثر قدرة على اقتحام الفلوجة من الجيش العراقي .

وقد نقلت انباء الانتصارات بعض المواقع المعروفة الاتجاه كأيلاف مثلا في عددها الصادر يوم الخميس الاول من ايار ، وبدأت الاهازيج و الهوسات تفوح من قناتهم الفضائية مذكرة بأيام خلت  ..ايام القادسية الثانية .

كل هذا التخبط الاعلامي الذي لاحظناه خلال مرحلة الدعاية الانتخابية و ما بعد الانتخابات، من التركيز على اسقاط الخصوم وبأرخص الاثمان ؛ من نشر الفيديوات الهابطة على اليوتيوب بحجة عدم السماح لها بالنشرعلى القنوات الرسمية ، الى غير ذلك من الممارسات الخارجة عن اخلاقيات الصحفي المتمرس ، وبدلا من ذلك كان الاولى بهم التركيز على توضيح البرنامج الانتخابي للناس و بالطريقة المعقولة وليس بالشعارات الرنانة ؛ ليتسنى للمواطن ان يعمل رأيه و يقارن بين البرامج الانتخابية ، ومن ثم اختيار الاصلح منها مما يتناسب ورؤيته الى المشاكل التي تعصف بالبلد .

ولم يقف الامر الى هذا الحد ، وبعد اعلان بعض النتائج الاولية غيرالرسمية التي تظهر مدى زيف انتصاراتهم ومدى الحرج الذي وقعوا فيه ، بدأوا بفتح ابواب من التأويل وهم بالتاكيد بارعون فيه على ان صفيرهم وتصفيقهم كان للائتلاف الذي يلتحفون به لا الى قائمتهم . و المهنية الاعلامية تقتضي الاعتراف بالاخطاء والاستفادة منها لاحقا .

 كل هذا يقف وراءه ثلة من المراهقين الاعلاميين ممن تنقصهم الخبرة والحنكة ، وجيوش من المستشارين لا همَ لهم سوى الاعتياش على فتات الموائد وبأي ثمن ، كان الله في عون العراق وشعبه .