22 ديسمبر، 2024 3:47 م

احذروا فالتاريخ لا يرحم

احذروا فالتاريخ لا يرحم

لقد حكى لنا التاريخ كل ما دار من أحداث وحقائق على مر العصور، فلم يغادر صغيرة منها ولا كبيرة إلا أحصاها وذكر أبطالها، مع انه لم يخلو من أقلام الزيف والتحريف التي تغلغلت في صفحاته وحاولت أن تخفي الوقائع وتغير المصاديق إلا أن أقلام الحقيقة كتبت بصدق وسطرت بأمانة ففضحت الكاذبين والظلمة والمفسدين، واثنت على الشرفاء والخيرين، وكلاهما وصلتنا أخباره.
تاريخ العراق بعد الألفية الثانية مليء بالتقلبات والأحداث، بدأ في زوال النظام البعثي الذي حكم لقرابة الثلاث عقود، كُتب عنها ما كُتب، فالبعض صنع من ذلك النظام مثالاً للرقي والإنتعاش، فجعل من صدام أسطورة الأساطير وفخر الأمة، فمجّد وبجّل وأثنى وأطرى، ومنهم من سرد الأمور كما جرت بدقة وصدق، فأخبر الأجيال عن حقيقة ذلك النظام وبطشه وظلمه، وكيف أنه عاد بالعراق إلى عصر ما قبل التاريخ.
لقد تغير شكل النظام في العراق تغيراً جذرياً بعد زوال البعث في الشكل والمضمون، آلية الحكم من دستور وانتخابات وتداول سلمي للسلطة، ديمقراطية حقوق وحريات.. الخ ، بل وحتى الوضع الاقتصادي تحسن كثيراً نتيجة الإنفتاح على دول العالم، النفط والتجارة والسياحة، والعديد من الملفات التي كانت مقفلة، بسبب الأزمة العقلية والغطرسة التي كان يعيشها النظام.
نتيجة لما يتمتع به العراق من موقع استراتيجي حيوي وما يتوافر عليه من ثروات نفطية وزراعية وسياحية، وما تمثله سوق العراق المتعطشة للشركات العالمية من بيئة خصبة، كان من المتوقع ان يصبح العراق أيقونة الشرق الأوسط في النمو والإزدهار، لكنه لم يحصل وحصل العكس، فقد أخذت الديمقراطية بالتصدع وأصبح السلاح في الشارع والولاءات للخارج والوطن آخر الهموم.
إن غالبية من اختارهم الشعب كي يمثلوه ويحملوا صوته، الذين أقسموا على الولاء لوطنهم والحفاظ على ثرواته وأمواله وأرواح أبنائه حنثوا باليمين، فأصبحوا ذيول الخارج وأذنابه، يتسابقون نحو سرقة بلدهم ونهب أموال شعبه، كأن احدهم يقول للآخر ( اسرع فقد هربت منا الأيام، لننتزع ما يمكن إنتزاعه فهذا العراق ليس بعراقنا ) وحينما يقف القانون بوجههم يحكمون السلاح والغلبة دوماً للسلاح.
الشرفاء لم يبيعوا وطنهم ولم يسرقوه ولم يخرجوا عن القانون ولاؤهم له وعهدهم ان يحفظوه، لم يبتاعوا المناصب ولم يتقاتلوا عليها، شاءت الظروف أن يغيبوا عن صنع القرار لما في ذلك من تصادم مع مصالح الفاسدين ومن ورائهم من دول، الأمر الذي جعلهم يدفعون الكثير من الأثمان، إلا أن هذا سوف لن يثنيهم عن الثبات على عقيدتهم الوطنية والاستمرار في محاولة انتزاع حقوق الشعب المسروقة.
ستمر هذه الحقبة كسالفاتها بحلوها ومرها وسيكتب التاريخ ويفرز هؤلاء عن هؤلاء، من عمل بصدق وجعل وطنه وشعبه في عينه فقد كتب إسمه في الصفحات البيض وخلّد إسمه في قلوب الأجيال، ومن نسي الأفول وظل غارقاً في الرذيلة والفساد فقد اختار لنفسه مزابل التاريخ وصفحاته السوداء، فتداركوا أيامكم وعودوا عما اقترفتم واصلحوا انفسكم قبل فوات الأوان فالتاريخ لن يرحمكم وسيلعنكم الله ويلعنكم اللاعنون.