18 ديسمبر، 2024 7:03 م

في طريق العودة إلى الموصل أم سيلين وسيلين وأنا نشعر تركنا الجمال والأمان والحب والسلام وفي أعماقنا هاجس غريب قلق خوف ترقب ونحن على مشارف مدينة الموصل التي تركناها منذ شهرين وكأننا ندخل عالما جديدا لم نرى آثار السيارات المحترقة ولا شيء يدل على الاضطراب الصمت لازمنا لكن مشاعرنا تصرخ وبقرب سيطرة الموصل وجدنا علامات وأعلام سوداء مكتوب عليها باللون الأبيض ” لا إله إلا الله ” وعلوها دلت على سرعة نمو سيطرة الجماعات نموا لا رجاء في صده ونحن خاضعون لحكمهم إن شئنا أم أمبينا ،رأينا في سيطرة بوابة الموصل أشخاص بملابس سوداء يتحدثون عدة لغات بملابس أفغانية بلحيتهم الكثيفة وشعرهم الطويل وملامح وجوههم قاسية تنتج القهر والبؤس ،أشروا لنا بالعبور حتى لم يسألونا من أين أتينا وأين كنا ،ليست هناك علامات الفوضى لا حواجز كون كريتية أسمنتية ولا أسوار في الشوارع التي تبدو هادئة والناس يذهبون إلى أعمالهم وكأن لم يحدث شيء والجماعات بين مسافة وأخرى حاملين أسلحتهم الحديثة بقرب سيارات الجيش والشرطة السابق لونت بلون أسود يضحكون فيما بينهم ، هل من الجائز إن تتولى هذه الجماعات قيادة حضارة عمرها آلاف السنين أم هم دلالات الانغماس في أودية الفوضى التي بخيل لكل جماعة يجب إن تجتازها ؟! الموصل بيد هؤلاء أمر واقع لكن في نفس الوقت كائن غريب ولا ندري كيف ينحصر الأثر الذي يتركونه في المدينة وأهلها الطيبين المسالمين ، قسم من عمال البلدية ينظفون الشوارع وسيارات البلدية ورائهم ومسئول عنهم واحد من الجماعات وكانت ملامح الناس المغلوبة على أمرها منها راضية ” لا حول لهم ولا قوة ” ومنها ساخطة حيث ربع سكان المدينة نزحوا إلى المنطقة الشمالية ” اربيل سليمانية كركوك دهوك ” إضافة إلى تركيا ومنها إلى الخارج لدول أوربية ” كالنمسا وألمانيا ونرويج وكندا والسويد وهولندا ” وغيرها من المدن الأوربية ، كلما وهنت القوى الداخلية للمدينة التي يقوم على أركانها الأساسية التقدم والازدهار والإبداع كانت خاتمتها الانحلال والانكسار على يد جماعات لا شعورية قد تسمى بربرية ،بعد مرورنا لمنطقة ” حي الجامعة ” رأيناهم في أرقى المطاعم ومنهم بقرب أبواب الجامعة الموصلية هذه الجامعة التي أخرجت ومدت للعالم الكثير من العلماء والأطباء والمهندسين والمحاميين والمفكرين والباحثين والفانيين والأساتذة التربويين ومجالات أخرى عديدة هذا الصرح الكبير رأيناه خاليا مهجورا لأول مرة منذ أكثر من أربعين سنة ، الذين امتازوا بالسمو والإدراك وبعد النظر أقاموا صروحا مدنية راقية وهم يخلدون لمدى التاريخ الإنساني أما من يتجبر ويطغ ويقدر على الهدم والتحطيم والخراب والدمار فهو عنق الزمان البربري لأن المدنية المتحضرة المسالمة لا تقوم إلا على أسس قوية ومبادئ إنسانية عادلة ونظام مقرر ووعي ثابت ثم الانتقال إلى العمل الذي يهدى بغريزة الاهتداء وبنور العقل والبصيرة التي تحلم بمستقبل ومكان راقي من التطور في كل المجالات الحياتية خاصة مجالي العلم والعدل، هؤلاء الجماعات غير مؤهلة لإدارة المدنية بشكل سليم وليس أهل لتحقيق سمو العلم والعدل والرقي بالإنسانية ، مررنا بدورة ” النبي يونس وجامع النبي يونس ” عليه السلام ” “الذي يعلو على تل عالي ومآذن الجامع عالية ، صرح ديني جميل اهتمت به الحكومات السابقة وأصبح صرحا دينيا سياحيا يزوره حجاج من ” تركيا وكردستان ودول أخرى ” حين ذهابهم وعودتهم برا من والى الديار المقدسة ” مكة ” على سفح التل حدائق مدرجة تذكرك بجنائن المعلقة وعلو أشجار النخيل بنسق رائع التي أضافت للموقع جمالا ، وبعد مرورنا ” لمستشفى السلام العام ” الذي يقدم خدماته الطبية للناس الفقراء والبسطاء والأغنياء ولعامة الناس نظفت الشوارع لم نجد أثار الخراب والدمار والاحتراق الأولي الذي هربنا منه بداية دخولهم وفي بوابة منطقتي السكنية ” دوميز وسومر ” أفراد منهم جالسين ورايتهم وكتاباتهم على الجدران ، وصلنا البيت بسلام ، أتوا الجيران والأصدقاء ليطمئنوا على سلامتنا وإذا بخبر يقع وقعا إنسانيا مرهبا وليس أنا وحدي بل على الجميع عندما دار هذا الحديث مع الجيران والأصدقاء .
أبو سيلين المسيحيون هربوا من الموصل !!
واستغربت للأمر قائلا :
ما السبب ..؟ المسيحيون مسالمون محبين مخلصين ..
إذا الرد يأتيني أكثر غرابة :
لم يدفعوا الجزية التي فرضتها الجماعات عليهم ..
لا حول ولا قوة إلا بالله ..
الجماعات الهدامة في قوتها مثل المكروبات والسرطانات التي تعجل بانحلال جسم المجتمع الضعيف وتساعد على التفكك والتحلل والموت فإذا نخر جسم المجتمع تولت الجماعات الهدامة بسهولة كسرها وتدميرها وما كانت العوامل والأسباب والحوادث التاريخية إلا مصيرا للتدمير وما دامت القوة لصالح الجماعات الهدامة فإن الأيادي الطائشة تزيل بالتدريج جميع أنوار العلم والعدل والمبادئ الإنسانية التي تمنع الطغيان من التسلط ، الأخبار المحلية والعربية والعالمية تنقل تحلل سقوط الموصل وكيفية سقوطها ولماذا سقطت وما الذي دعا لسقوطها وهل هي خطة عالمية أم إسلامية أم أتت باسم الإسلام لتنفذ خطط ما ، من يدعمها ؟ من يديم وجودها بالسلاح المتطور حتى مهدت لها وسيطرت على ثلث العراق ” مدن ” ألفلوجه ، الرمادي ، تكريت ، مصافي بيجي النفطية العملاقة ، حويجة ، الموصل ” حتى توقفوا على حدود اربيل وكركوك ودهوك ” ،وإذا الأخبار تسرع كسرعة دبيب النمل على قطعة سكر وكسرعة الغربان على جثة متعبة منهكة آيلة للانهيار للموت كثر الكلام على الجماعات التي أطلقت عليها كافة القنوات المحلية والعالمية بالجماعات الإرهابية التي أتت باسم الإسلام ومن خلال التواصل الإعلامي في ألنت والفيسبوك ومواقعهم الخاصة تعرف الناس إليهم بشكل يسير لأن عزلهم سابقا بسبب نظام القتل والذبح جعلت العالم يصفونهم شؤم تدمير ، نذير شؤم في كل مكان يكونوا فيه ، وبدا الخلط بين الإسلام المعتدل وبين الإسلام المشدد والإسلام الإرهابي وكلها عناوين إعلامية براقة وفي خضم عدة تحاليل ورؤى مختلفة حدثت خطوب أخرى هزت العالم ، هجوم الجماعات على ” سنجار ” المدينة الجبلية الآمنة تعددت صور الخطف والقتل والاغتصاب اغتصاب نساء سنجار وصباياهن وفتياتهن وبيع نساء يزيديات كسوق مفتوحة بينهم ويتاجرون بهن وسجنهن بعد هروب أهل سنجار إلى الجبال القريبة من شيوخ وأطفال ونساء ورضع تاركين كل شيء ورائهم متجهين منهم إلى مدينة دهوك وزاخو حيث أصبحت سنجار ساحة مفتوحة لأحزاب وجيوش ومصالح تركيا وسورية وإيران وسيطرة الدواعش بعد تدمير وخراب البيوت والدوائر الخدمية الأساسية الصغيرة والكبيرة وأصبحت منطقة سنجار شبه مهجورة والتي أطالت القنوات الإعلامية في ذكرها أمام أنظار العرب المسلمين والعالم بين منكر ومستنكر ومؤيد ، خلت مدينة الموصل من المسيح المكون الثالث بعد العرب والكرد والآن المكون اليزيدي في سنجار وبعد هذه الأحداث المرعبة بدا الهروب الخفي من المدينة بعد نفاذ المواد الغذائية وعدم وجود أعمال وموارد تسد رمق العيش والبطالة أساسا كانت منتشرة قبل وبعد الأحداث الإرهابية ، بحجة المرض المزمن والعلاج والدراسة وغيرها من الأسباب ومن يخرج فرضت عليهم ضمانات سند بيت أو سيارة حديثة تقدر بثمن البيت ، وبدا التنسيق بارتكاب الجرائم الأصولية والشرعية بالنسبة لهم فخطبة الجمعة توزع موحدة وعندما رفض بعض أئمة الجوامع هذه الخطب هجموا عليهم واعتقلوهم وأخذوهم إلى مصير مجهول ومن الأئمة من هرب إلى تركيا ومنهم إلى كوردستان هكذا بدأ التوجيه بالقوة وليس بمنطق اللين والإنسانية والرحمة خاصة الجماعات الآتية من وراء الحدود أمر جديد على المدينة وأهلها الذين رأوا أن التدمير الإنساني تجلى بعد هروب المسيحيون واليزيديون من الموصل وكأذرع الإخطبوط مدت أذرعه الشر يديها برؤية ضيقة تارة وبرؤية ظاهرها دينيا وجوهرها تنفيذ مخطط دولي عالمي ، منهم يفكر هل هذه الأحداث تصدر عن يقين أم تحقيق مآرب مرسومة مسبقا ؟ فالمواطن الموصلي همه لقمة العيش والرجوع إلى بيته بسلام ، خاصة التصرفات والسياسات السابقة جردت المواطن الموصلي من أي سلاح يدافع عن نفسه وكرامته وعزته بحجة الإرهاب ، الموقف يزداد سوء كل يوم والأحداث تستمر دولاب مشروخ لا يتوقف تقيد المدينة بأسوار يمنع الدخول والخروج منها بأمر الجماعات التي طاب مكوثها في الموصل المدينة التي تتميز بكل أمور الحياة والاستمرار إلا إنها خالية من الأمن والسلام .
***************
تابع الجزء الخامس من رواية الإرهاب ودمار الحدباء