لا نعرف مدى علاقة زيارة الرئيس الايراني ووفده الرفيع الى العراق، بالاعلان “الطائفي” الذي اعلنته الولايات المتحدة الامريكية، بالعمل على تشكيل تحالف “سني” لمواجهة ايران.
وقال وزير الخارجية الامريكي بومبيو، في تصريح، ان “التحالف هو محاولة لتشكيل تكتل تدعمه الولايات المتحدة ويضم دولا سنية بينها السعودية والإمارات والكويت بهدف التصدي للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط”. على حد قوله.
مع التحفظ على مفردة “الدول السنية” التي لا نتمنى التطرق اليها، الا ان استخدامها من قبل دولة زعيمة للعالم كأمريكا، تدعي انها منبع ومصدر الديمقراطية في العالم، وحامية لحرية الدين والمعتقد والمذهب، شيء غريب ويحمل مجموعة من الرسائل ، ويستبطن الكثير من الغايات المشبوهة .
الا ان مزامنة هذا الاعلان عن التحالف، مع الزيارة التي وصفت بالتاريخية للرئيس الايراني حسن روحاني الى العراق، يعبر عن سخط وانزعاج امريكي كبير على هذه الزيارة، التي وجهت من خلالها ايران ضربة وصفعة قوية لامريكا، لعدة اسباب ، منها انها كسرت بشكل كبير الحواجز الامريكية التي وضعت في طريق الحصار على ايران.
ورغم ان التوجه العراقي بالتعامل مع الازمات والعلاقات المتوترة في المنطقة، هو تعامل ايجابي بامتياز كونه مبنيا على النأي عن هذه المشكلات وعدم التدخل بتفاصيلها او الانحياز الى طرف دون الاخر، الا ان العراق لن يكون بمنأى عن تداعيات هذا التحالف الذي يمكن ان يضر العراق بشكل كبير قبل ان يضر ايران نفسها.
الملفت بالموضوع هو ،انه رغم التنوع الثقافي والمذهبي في المنطقة التي تحتضن ديانات عديدة ومذاهب متعددة اهمها ، مذهبا السنة والشيعة، الا انه ليس هناك اي دولة تتعنون بعنوان مذهبي، بغض النظر عن النسبة المؤوية للانتماء للمذهب في هذه الدول.
فمثلا ، لو اخذنا ايران كنموذج عمل الاعلام على اظهارها على انها دولة شيعية، هي بحقيقتها ليس كذلك، فهذه الدولة رغم ما فيها من اغلبية شيعية واضحة، الا ان فيها ملايين من الايرانيين واليهود والمسيح ومختلف الاديان والطوائف الاخرى يمارسون طقوسهم الدينية والمذهبية بكل حرية، لكن من الطبيعي ان يحكمها الشيعة (ديمقراطيا) حسب الاغلبية.
والاغلبية في ايران ، هي نفسها موجودة في العراق والبحرين وكذلك ما يقارب ثلث سكان السعودية ولبنان والكويت وباقي دول الخليج.
لذا عندما قدمت امريكا مفردة “الدول السنية”، هي بالتأكيد تقصد الحكام السنة لهذه الدول، وهو تعبير طائفي يعبر عن توجه هؤلاء الحكام بالانحياز لطائفتهم على حساب الطائفة الثانية وهم الشيعة، وهذا ما يحدث فعلا من خلال الاضطرابات والتعامل بطبقية مع الشيعة في هذه الدول، وليس بعيدا علينا ما يحدث في السعودية والبحرين، وكيف تتعامل اجهزتها الامنية التابعة للحكام !.
ان استخدام امريكا لهذه المفردة التي تثير المشاعر ، ما هي الا دعوة لحكام المنطقة بالتمترس خلف (التسنن) واتخاذه ذريعة لاستهداف باقي الطوائف الاخرى، وهذا الامر ما من شأنه ان يزيد حدة التوتر في عدد من هذه الدول التي فيها اغلبية شيعية مثل البحرين وكذلك الكويت (التي تعد دولة هادئة ومستقرة وخالية من الاثارات الطائفية)، وبهذا تريد امريكا توسعة جغرافيا التوتر في هذه المناطق وتهيئة ارضية طائفية مناسبة لادخال عصابات داعش الارهابية من جديد وتغللها في داخل هذه المجتمعات واتخاذها كسلاح فتاك للتصفيات الطائفية.
بالمحصلة .. فان المتضرر الاول والاخير من هذا التحالف ، هم نفس الدول التي توافق على الدخول فيه وتكون جزء منه، لان الغرض منه ليس كما هو ظاهره باستهداف ايران، انما استهداف الطوائف الثانية في نفس الدول، وهذا الامر بالتأكيد ترفضه الشعوب العربية وخاصة السنية التي عاشت تواترا تاريخيا كبيرا بالتعايش مع اخوانهم الشيعة وتربطهم روابط اجتماعية عائلية لصيقة .
ان الدخول في هذا التحالف بلا شك سيهدد السلم المجتمعي في كل دول المنطقة، لانه محاولة لاثارة “حرب عالمية طائفية”، تنطلق من الشرق الاوسط الذي لا اعتقد انه يستحمل حروب اخرى بعد الحروب التي استنزفت كل شيء فيه ، ان كانت على مستوى الموارد البشرية او المالية او الاقتصادية والمالية.
لكن ما نتوقعه ان امريكا لا تعمل على تشكيل هذا التحالف بصيغة الطلب، انما بصيغة الامر للدول التي تستظل تحت حلفها المشؤوم ، من التي دأبت على الانصياع لها والخضوع امام أملاءاتها.