لم يخطر في بالي وانا اجتاز نفق الشرطة ليلا لادخل شارع اعتدنا على تسميته بشارع الكنيسة لوقوع كنيسة مار يوسف شفيع العمال فيه ان ارى الكنيسة ومحيطها حزين كئيب تلفه الظلمة وتحيطه الحواجز الاسمنتيه .. فقد الفنا ضياء وانوار مصابيح الكنيسة زاهية الالوان كلما مررنا من جنبها في التسعينات من القرن الماضي قبل الاحتلال الاميركي للعراق بل حتى في السنوات الاولى التي اعقبت الغزو في نيسان2003 .. تسمرت قدماي امام فتحة صغيرة امام باب الكنيسة الذي بدا مهملا وهممت ان ادخل منها لاقرع الباب عسى ان اجد فيها من يجيبيني على تساؤلات كثيرة عن سبب هذا الاهمال لهذه الكنيسه التي يبدو انها صارت مهجورة ومجرد اطلال تتحدث عن قيم الالفة والمحبة التي تجمعنا ، غير انني خشيت ان اثير الرعب والخوف والشك والريبة في نفوس من فيها مع اني اجزم بان لا احد بات يامن العيش فيها ولا حتى حارس .. فمنظر الكنيسة وما آلت اليه يؤكد ذلك .
رفعت نظري الى جرس الكنيسة المملوء بعش الطيور وحاولت ان امني نفسي ببصيص ضوء يلوح من احد نوافذ الكنيسة لكن خاب ظني فليس غير الكأبة والظلمة تحيط بمكان اعتاد الناس ان يسمعوا كل يوم احد تراتيل الحب تنشد فيها تسبقها جرس الكنيسة يدعو الناس للسلام .
كنت كغيري من الناس في التسعينات من القرن الماضي يبهرني منظرالعرسان واجواء الفرح عند باب الكنيسة او مشاهدة الشماس يخرج احيانا ليوزع الحلوى على الاطفال بشكل خاص .. كما كانت بعض العوائل من المسلمين آبان الحصار الجائر تتوجه الى الكنيسة لتستلم بعض المساعدات التي اعتادت بعض الكنائس وربما اغلبها توزيعها على الجميع بالتساوي من دون ان يسألوا عن دين او مذهب اية عائلة فالجميع هم عباد الله وعياله .. في احد الايام دفعني الفضول لاسال بعد انتهاء القداس عن معنى مار يوسف شفيع العمال وهل للتسمية جانب طبقي .. فعلمت ان التسمية تيمنا باحد ابناء يهوذا الذي اشتهر بالتواضع والعمل الشاق والزهد وخدمة سيدنا المسيح وامه مريم عليهما السلام ..فلم يكن انذاك انترنيت يمكن بضغطة زر ان يجيبك عن أي تساؤل ..
المهم ان وقوفي الطويل امام الكنيسة كما يبدو اثار احد الشباب من اهل المنطقة الذي قال ( حجي هل لك حاجة يمكن ان اساعدك لانجازها ؟ ).. اجبته بحسرة وتكاد دموع من عيني تتساقط ليس عندي غير الحيرة فانا ارى الكنيسة مهجورة .. فقال حاج ذهبت تلك الايام ولم تعد اجراس الكنائس تدق للسلام في زمن الفوضى الطائفية .واسترسل قائلا : بيتنا قريب جدا من الكنيسة وما زالت مشاهد ايام الاحد في ذهني .. ولم نتوقع ان يأتي يوم نرى فيه كنائس وجوامع تغلق او تهدم بسبب افكار طائفية ظلامية تكفيرية !! ربت على كتفه وانا اقول له لعن الله من كان سبباً في اثارة كل هذه الفتن في وطننا فهجر اهلنا وقتل شبابنا وحرمنا نعمة السلام ..وواصلت سيري مع حلم كبير وامنية عزيزة لكل عراقي بان ينعم الله على وطننا بالسلام والامان ويطهره من دنس السياسيين الطائفيين الفاسدين قولوا معي امين .