18 ديسمبر، 2024 6:37 م

اجتماع على مستوى (الكبة)!!

اجتماع على مستوى (الكبة)!!

لم أجد بداً، والصبر قد بدأ بالنفاذ، والقلق قد زاد، من طول النزاع وعلو الصراخ، من الدعوة إلى اجتماع استثنائي يعيد الأمور إلى النصاب، لعله يكتمل النصاب!

فكرت كثيراً كيف اجذب الفرقاء لهذا اللقاء، فلم أجد أفضل من المعدة سبيلاً، ولم اعرف افضل من (الكبة) طريقاً، ذلك اني اعلم ان جمع التناقضات لا بد ان يكون على نقطة يشترك فيها الجميع، وهل هناك اكثر من (الكبة العراقية) قضية تحمل بعداً وطنياً وتجمع الشتات؟!!

ولم يخب ظني، فلم يتخلف أحد عن قبول الدعوة إلى مائدة الطعام لتكون طاولة المفاوضات والحوار، لكني وما ان عرضت على الجميع جدول الأعمال حتى عاد الخصام والصراخ وتبادل الـ… حوار بشتى الوسائل التقليدية والمتطورة!!

فلما تمكنت بعد جهد جهيد من تهدئة الاوضاع اكتشفت ان الكبة بحد ذاتها كانت هي سبباً للخلاف، وهو أمر زاد من تشاؤمي المبكر، فقد تمت المطالبة بجعل المحاصصة اساساً للاجتماع، فإذا كانت الكبة الأطيب موصلية فلتكن الدهينة اللذيذة نجفية! وليكن البرحي بصراوياً والخبز بغدادياً! ولتكن المقبلات ضمن الكوتا ومن حصة الأقليات!!

وهكذا عبرنا الخطوة الاولى، عبر اقرار المحاصصة اضطرارياً او هكذا كان يقال منذ البداية، رغم اني لم اعلم اضطراراً يدوم ٢٠ سنة؟!!

ثم ما ان بدأ الجميع بالتذوق حتى علت الشكوى من اختلاف الطعم عما عهدوه من زمن الطيبين، ذلك الطعم والمذاق الذي انساهم الزمان مره العلقم، ولم يبقي لهم لمرارة واقعهم الراهن سوى حلاوته المصنوعة من اسوأ المواد!

فما كان لي من تبرير سوى أن هذه مشكلة ليست محلية، بل تم تدويلها وان البنك الفدرالي الأمريكي هو من يشرف عليها اليوم، وهي نتاج ضعف الخلطة الوطنية وامتزاجها بشتى العناوين، واستيراد المواد الأولية وامتلاء السوق بالبضاعة الرديئة وهرب الفاسدين من التجار، فكان الطعم كما ترونه وصار، لا كما كان!

ثم رفض البعض الاكل بالأدوات الموضوعة أمامهم بحجة انها تعبر عن انتماءات مريبة، وانهم لن يأكلوا إلا باستخدام ادوات مستقلة مصنوعة في العراق، وقدموا لنا نماذج ملفوفة بالعلم العراقي وعليها شعار (كلنا العراق)، ولكن سرعان ما اكتشفنا انها عراقية الغلاف والمظهر ولكنها مثل غيرها تحمل مضموناً لا يعلم به إلا الله، فالغطاء مستقل والأدوات هي ذاتها ولا اختلاف.

ولما نطق الرجل الحكيم بكل ما لذ وطاب من الكلام، وقدم لهم وعوداً وطلب منهم التعاون والإنصات ريثما ينتهي من تطبيق المنهاج، فلم يستسغ البعض ذلك، وشاغب من وجد فيه الإضرار بمصالحه وغسيله الذي لم يجف بعد، ورصيده الذي أصابه بالتخمة وما شبع، فخلط الحابل بالنابل، والكبة بالمقبلات، وصار الهرج والمرج لا يطاق، وتمزقت حتى المناديل الموضوعة، إذ كانت قد عولجت شقوقها بالترقيع والتأجيل بديلاً عن الدواء!!

ولما نفذت الأعذار ووسائل التهدئة، مسكت بالعصا زاجراً، ولقوات حفظ الغذاء مستدعياً، ولتفعيل فقرات الانضباط الغذائي مطالباً، وبعبارة رفعت الجلسة منادياً، فالنظام النظام ومن بعده الطوفان!!

حينها الديك صاح، وادركنا الصباح منهكاً مما رآه..

وسكتنا جميعنا عن الكلام المباح.. وغير المباح!