18 ديسمبر، 2024 7:52 م

اجتماع الذوق دليل على فساده

اجتماع الذوق دليل على فساده

احيانا يتحول الحب والهوس الى دين فاسد عند بعض الناس يعميهم عن رؤية أيّ شيء ما عداه. واحيانا يراد بالذوق ان يكون قالبا: ما ان تنتقد سعدي يوسف مثلا حتى ينبري لك عباد الاصنام وسدنة الايدلوجيا متهجمين مستصغرين ذاهبين بالأمراض النفسية الملقاة عليك والاتهامات الجاهزة بحب الظهور الى أبعد مدى. وهذا ما دفعني الى كتابة الكلمات ادناه.

سآخذ مثالاً من الموسيقى والغناء. يكاد يكون اسم الفنان كاظم الساهر يتصدر قائمة الابرز بين المطربين والملحنين العراقيين على مر تاريخه. وهذا أمر يدعو الى السرور. لكن ان يتحول أي رأي مخالف او غير متفق مع هذا التصنيف او الرؤيا الى جريمة فهو الجريمة بذاتها. انا شخصيا، وكمدمن على الغناء، أرى ان صوته صخريّ وقبيح للغاية وأداءه عضليّ، وكأنني امام جسد ضخم لكمال الاجسام يحاول ان يبرز اكبر قدر من العضلات، فيختنق ويغص بالكلمة ويلوي عنق النغمة. أرى أن صوته خال من أي عذوبة او رقة او جمال. وأعتقدُ، من غير أن أفرض إعتقادي على أحد، أن فن كاظم الساهر فن هجين: في محاولته للعربية تشوّهت عراقيته بحيث لا أشعر بانتمائها الى ذاتي او تعبر عنها، وفي محاولته للعالمية هجّن عربيته، وصار مثل الطبخة التي تريد ان تجمع في القدر كل الطعوم فأدى ذلك الى فقدانها أي طعم. ارى انه دائم اللهاث وراء محمد عبد الوهاب وان كل جمله الموسيقية او معظمها على الاقل مسموعة من التراث المصري (بليغ، عبد الوهاب، كمال الطويل، الموجي).. وكشعور شخصي أحس أنه يقبّح اذني بصوته على عكس صوت (كريم منصور مثلا) الذي يعتصر بصوته روحي ويعبر عن اعمق خلجاتها واكثرها شجناً. وفي الوقت الذي ادافع عن وجهة النظر هذه، احترم وادافع عن وجهة النظر المغايرة التي ترى في صوت كاظم الساهر وفنه ما تراه.

للمختصين بالطبع قدرة على دحض هذه الافكار او مؤازرتها لكن جوهر الحديث ان نتوقف عن ثقافة القطيع. وأن الذوق مسألة شخصية بحتة. وعلينا ان ندرب أنفسنا على الاختلاف ونتقبل المختلف. اذكر في التسعينيات من القرن الفائت اننا (من لا نقلّد فلانا من المراجع الدينية في العراق) حوصرنا اجتماعيا بقوة ومورس علينا عنف صامت قاتل لا مثيل له، بحيث ان احدهم يغسل القدح الذي نشرب منه كي يملأه بالماء، وهنا جربنا عملياً وبعناء ما الذي تعنيه جملة سارتر: (الجحيم هو الاخر).. فلا تكونوا جحيما، واتركوا للاختلاف أن يتنفس، فبه وحده تتعايش الانسانية.