18 ديسمبر، 2024 5:41 م

اعلان السعودية وايران عن التوصل الى اتفاق بعودة العلاقات الديبلوماسية بينهما ، فاجأ الاوساط السياسية والاعلامية بعد سلسلة مفاوضات بين الطرفين في بغداد ومسقط لم تحقق ما استطاع الصينيون تحقيقه .
ولمعرفتي عن قرب بالادميرال علي شمخاني أمين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني بانه رجل المهمات الصعبة وصاحب قرار الفصل والحسم ، يبدو لي ان الاتفاق اتخذ عن قناعة وبتأييد قائد الثورة السيد علي خامنئي .
ومن خلال قراءة مضامين التصريحات التي صدرت عن المسؤولين في كل من الرياض وطهران ، حيث ركزوا على نقطتين هما : تبادل فتح السفارات والتهدئة الاعلامية في سياق مبدا عدم التدخل في الشأن الداخلي لكلا البلدين .
وواضح من نص الاتفاق ان طهران والرياض لم يتوصلا الى تفاهمات بشان المشكلات والازمات التي يختلفان حولها مع انها تقع في جوهر الصراع المحتدم حول النفوذ في المنطقة والذي يتخذ ابعادا عقائدية وسياسية – طائفية كغطاء للمعركة الصفرية المتواصلة بين القوتين منذ 44 عاما .
وبتقدير المراقبين والمختصين ، فان الاتفاق الجديد سوف لن يطفئ مفاعلات الصراع ولن يؤدي الى ( معاهدة سلام ) لانهاء الخلافات والتباين الكبير في وجهات نظر حول العديد من الازمات في بؤر صراعية اضافة الى استمرار التنافس الايدلوجي بينهما والذي تطور الى مرحلة خطرة وبات يؤدلج لمفهوم ( الطائفية القومية ) .
مع ذاك ، اعتقد ان اعلان بكين هو خطوة ذكية واظهرت قدرة طهران والرياض على اتخاذ مبادرات تكتيكية في الوقت المناسب وبما يخدم مصالحهما في هذه المرحلة القلقة لكليهما .
فالسعودية، لجأت الى التهدئة مع ايران وفي هذا التوقيت لعدة اسباب :
• تحتاج السعودية الى انهاء الحرب في اليمن والتي ظلت تشكل الخاصرة الموجعة لها وانه آن الاوان لوقف هذا الالم والتوجه الى انجاز مهام ومشروعات كبيرة اقتصادية وسياسية يطمح اليها ولي العهد محمد بن سلمان .
• ايضا السعودية تعتقد بان ادارة الرئيس بايدن قد خذلتها في مواقع عدة وبالتالي من المناسب التهدئة مع ايران الى حين معرفة القادم للبيت الابيض في انتخابات عام 2024.
• مع تطور العلاقة السعودية – الصينية ، منحت الرياض الرئيس الصيني هدية امتداد( الحزام التجاري ) عبر المملكة الى افريقيا والمغرب العربي باعتبار ان بكين غير واثقة من مرور الحزام من ايران باتجاه الصومال واثيوبيا وشرق افريقيا وذلك بحكم الاضطربات واللاستقرار عبر ذلك المسار .
• تعترف السعودية بانها خسرت المواجهة مع ايران في كل من العراق وسورية ،وإن هي تغلبت في البحرين وحققا التعادل في لبنان ، ولذلك تعتقد قيادة المملكة ان مهادنة ايران سيسمح للسعودية باستعادة بعض المواقع في الساحتين السورية والعراقية ،مثلما كان الحال عام 2010 حينما بلغت العلاقات مع دمشق ذروتها سياسيا وامنيا وتكللت بنجاح دمشق والرياض في دعم التيار القومي بقيادة السيد اياد علاوي والذي فاز باغلبية مقاعد البرلمان إلا انه فوجئ بالمتغير الاميركي حيث كانت واشنطن بحاجة الى ايران لتسهيل انسحاب القوات وابرام اتفاقية الاطار الإستراتيجي والتي كان بحاجة لموافقة التيار الشيعي الاسلامي الاقوى في الشارع العراقي انذاك .
بقي ان نعرف مالذي تريده ايران من اتفاق التهدئة مع السعودية وفي هذا التوقيت ؟
° تعتقد الجمهورية الاسلامية ان التهدئة مع السعودية ،ستخفف من وطأة الضغوط الاميركية والغربية المكثفة ضدها .
والملاحظ ان الاتفاق جاء متزامنا مع خطوتين او رسالتين ايرانيتين :
الاولى : الاتفاق الايجابي بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية
الثانية : قبول الحكومة العراقية ( الاطار ) بشروط الولايات المتحدة بشان الاصلاح النقدي والاقتصادي وبقاء وتوسيع دور القوات الاميركية في مناطق محددة من العراق.
° اعترف المسؤولون الايرانيون بان وسائل الاعلام المعادية والممولة من السعودية قد نجحت في تسعير الاحتجاجات الاخيرة في الشارع الايراني وبالتالي تاخذ طهران على محمل الجد ما توعد به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل سنوات بانه ( سينقل المعركة الى داخل ايران ) .
ولذلك طهران تعتقد ان من المهم لها تضمين اعلان بكين بندا يتعلق بوقف الحرب الاعلامية وبالتالي الحد من هذا التأثير السعودي طالما ان الاعلام الممول من ايران قد فشل في التأثير على الداخل السعودي، بما في ذلك تحريض ( شيعة الشرقية ) .
° ان الذي يهم المسؤولين الايرانيين هو ان هذه الخطوات تبعث برسائل ايجابية نحو الداخل الايراني فتنعكس بصورة فاعلة على الاوضاع الاقتصادية حيث سجلت قيمة العملة الوطنية تحسنا كبيرا حال الاعلان عن الاتفاق ،بالاضافة الى الابعاد السياسية حينما يظهر النظام الاسلامي بانه غير منعزل وانه قادر على اتخاذ المبادرات وبالتالي استعادة ثقة الشعب بحكومة ابراهيم رئيسي بعد ان هبطت شعبيتها الى ادنى مستوى .
ولكن .. هل هي هدنة تؤسس لعلاقة صداقة متينة وراسخة ؟
ثلاثة عوامل خارجية وليست ذاتية ستحدد ما إذا سيؤدي الاتفاق الى نهاية الصراع واقامة علاقات راسخة بين السعودية وايران :
اولا : استمرار الولايات المتحدة في المضي بسياسة الانسحاب من الشرق الاوسط والتركيز على الخطر الصيني .
ثانيا : انتصار روسيا في الحرب على اوكرانيا وبالتالي اضعاف الناتو مايعني كسر شوكة المسعى الاوروبي للتحول الى قوة مستقلة .
ثالثا : اتساع التكتلات الاقتصادية مثل مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي ومن ثم تعدد الاقطاب ونهاية عالم القطب الواحد .
في تلك المرحلة ستكون كل من السعودية وايران محل استقطاب اقتصادي وحاجة جيپولتيكية للعديد من القوى والتكتلات الاقتصادية ومنها الصين وروسيا والهند وهو ما اعتقد ان العالم قد بدا بالفعل التحرك في هذا الاتجاه .