أثار الاتفاق النووي الايراني ـ الامريكي أو الايراني ـ السداسي مزيدا من الذعر والخوف غير المشروع في الاوساط العربية والخليجية بشكل خاص, مما يعكس حالة من الاضطراب المرضي غير المبرر بعوامل موضوعية قابلة للفحص والتنقيب كأي ظاهرة موضوعية, ولكن على ما يبدو ان هواجس اللاوعي الطائفي والمذهبي والخوف المفتعل من ايران هي من محركات الخوف العربي والخليجي بشكل خاص من هذا الاتفاق !!!.
لقد تعود الخليجيون والسعوديون بشكل خاص على الاستجابة للأملائات الامريكية والغربية بشكل يعكس العلاقة بين أب قوي وطفل معوق يحتاج الى الدعم والرعاية المستديمة دون فهم أن السياسة مصالح ولا يوجد حليف دائم الى الابد. ومن هنا كانت الصدمة الكبرى في الاتفاق النووي الايراني ـ الامريكي لدول الخليج وبشكل خاص السعودية, وكانها محاولة لانهاء التحالف الامريكي ـ الخليجي, ولكن الاشارة من قبل الامريكان الى الاضطهاد والتعسف والقتل وعدم المساواة في السعودية له دلالته الخطيرة على مستقبل التحالف الامريكي ـ السعودي, فأمريكا في طور البحث عن حلفاء جدد ذو صبغة معتدلة !!!.
أن الفوبيا المرضية العربية من الاتفاق تعكس في جوهرها عدم المقدرة العربية في اجادة فن الحوار والمناورة مع الغرب والاكتفاء بحالة الاستسلام المرضي عبر ضخ البترول الزهيد لتطمين الغرب المتعطش لذلك دون مقابل, وبالتالي فأن موارد البترول القادمة من الغرب تشكل عصب الحياة اليومي للخليج كله مرتهنة للغرب حياتها اليومية واقتصادها الاستهلاكي !!!.
لقد أتكأت ايران في الحوار مع الغرب على قدرات ذاتية قوامها اقتصاد متنوع, صناعي وزراعي وبنية تحتية اقتصادية تترك لنا انطباعات بأمكانيات هائلة في الاكتفاء الذاتي ومقارعة العناد الغربي, حيث يشكل القطاع النفطي فيها بحدود 35% من الدخل القومي, بعكس الدول العربية النفطية والخليجية بشكل خاص التي تشكل فيها موارد النفط الى 90% من الدخل القومي, مما منح ايران قوة في التفاوض, الى جانب فسحة من الرفاه الاجتماعي وحرية الحركة للمواطن بما لا يملكه الخليجي وحتى العربي الاخر, رغم ان نظام الملالي يضيق الانفاس للابقاء في السلطة, ولكنه عرف من اين تأكل الكتف !!!.
ايران لم تفوز بكل شئ, فالاتفاق واضح, ولكنها قد تؤسس للفوز من خلال مرونتها ودهائها التفاوضي. وهذه هي بنود الاتفاق:
1- رفع العقوبات المفروضة من قبل أوروبا والولايات المتحدة عن إيران 2- فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني طويلة المدى مع استمرار تخصيب اليورانيوم بنسبة حددت بـ 3.67 في المئة 3- خفض عدد أجهزة الطرد المركزي بمقدار الثلثين إلى 5060 جهاز طرد. 4-التخلص من 98% من اليورانيوم الإيراني المخصب. 5- عدم تصدير الوقود الذري خلال السنوات المقبلة، وعدم بناء مفاعلات تعمل بالمياه الثقيل ، وعدم نقل المعدات من منشأة نووية إلى أخرى لمدة 15 عاما. 6- السماح بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع المشتبه بها، ومنها المواقع العسكرية لكن بعد التشاور مع طهران. 7- الإبقاء على حظر استيراد الأسلحة 5 سنوات إضافية، و8 سنوات للصواريخ البالستية. 8- الإفراج عن أرصدة وأصول إيران المجمدة والمقدرة بمليارات الدولارات. 9- رفع الحظر عن الطيران الإيراني وأيضا عن البنك المركزي والشركات النفطية والعديد من المؤسسات والشخصيات. 10- التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا.
ايران لم تفوز مرة واحدة مطلقا ولازال الطريق امامها عسير جدا, ولكنها ارسلت رسالة واضحة للغرب ان بأمكانها ان تكون حليفا وشريك افضل من السعودية وقطر وغيرها, فهي شريك يمتلك قدرات علمية وكفائات بحثية لايمكن الاستهانة بها, وبالامكان ان تكون جزء من المعارف العلمية العالمية.
ايران تمتلك ذات الطموحات الشاهنشاهية لان تلعب دورها التاريخي كونها شرطي الخليج والحافظ على التوازن الامني بما يستجيب لمصالح الغرب ولمصالحالها الذاتية بعد ان ودعت حقبة الخميني بلا عودة, والغرب في مرحلة جس النبض بعد ان عرف ان ايران كدولة ومؤسسات لا يمكن مقارنتها باي دولة خليجيية مهما بلغ ذروها !!!.
ايران في الداخل ليست خطابها طائفيا مهيجا للعواطف والانفعالات البدائية المتخلفة, فالشعب الايراني يستدرك الامر, والسلطة المذهبية الشكلية فوق والشعب لحاله, فهناك نمط من الاغتراب بين السلطة والشعب, ولكن مؤسسات الدولة باقية, فلم يجري التجاوز عليها وتدميرها كما هي الحالة العراقية !!!.
السلطة الايرانية تبحث عن حلفاء في العراق وايران وسوريا واليمن ولبنان وتدخل طرفا قويا في ايجاد الحلول للمشكلات الاقليمية بما تمتلكه من قدرات استثنائية في التأثير على اطراف الصراع, وذلك ينسجم مع المصلحة الامريكية في البحث عن سبل السيطرة على مناطق الصراع, وبهذا فان الاتفاق النووي هو بداية لاتفاق نووي ـ سياسي شامل !!!!.