23 ديسمبر، 2024 1:57 م

اتفاق إبراهيم وسيناريو الغزو الأمريكي للعراق

اتفاق إبراهيم وسيناريو الغزو الأمريكي للعراق

منذ عدة عهود رئاسية أمريكية يستحوذ استعمال موضوع الحرب والإرهاب في الانتخابات الامريكية بدءا بالرئيس بوش وحادث تفجير مبني التجارة العالميين في نيويورك الى استخدام باراك أوباما لعملية مقتل بن لادن٬ ليحل محلها اليوم موضوع ” التطبيع” بين الامارات العربية والبحرين وكيان الاحتلال في فلسطين بمناسبة الانتخابات الرئاسية وترشح ترامب لفترة ثانية في الثاني من نوفمبر القادم. “اتفاق إبراهيم” الذي تم توقيعه قبل أيام من قبل الامارات والبحرين هو استعراض انتخابي بالدرجة الأولى لصالح حملة ترامب الرئاسية تستهدف تحشيد واسع لطبقة الانجيلين من اتباعه وقاعدته اليمينية الكبيرة للحصول على أصواتهم للفوز في الانتخابات. فالعلاقات بين دبي والبحرين من جهة وبين الكيان الصهيوني هي علاقات متينة تسبق كل هذا المشهد الاحتفالي الدعائي خاصة في السنوات الأخيرة. وليس مستغربا ان يستعمل رئيس الوزراء نتانياهو هذه العلاقة غير المعلنة رسميا ليصنع منها حدثا معلنا بمناسبة حملة ترامب الانتخابية ويقدمها هديه له للخدمات الكبيرة في بداية رئاسته الاولى من جعل القدس عاصمة ابدية لدولة إسرائيل وضم الجولان وقريبا ضم الضفة الغربية التي كانت قرارات خطيرة تمس قضية الاحتلال الصهيوني لفلسطين حتى عالميا بدليل تصويت غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ضد القرار الأحادي غير الشرعي للرئيس الأمريكي لجعل القدس عاصمة الاحتلال.
لكن الأخطر من كل هذه الاتفاقات الاستعراضية المذلة والطبخات السريعة في التطبيع مع الكيان الصهيوني هو اعتماد سيناريو غزو العراق في 2003 لتطويع العرب للتطبيع بشكل كامل وتوقيعهم لاتفاقات وتنازلهم المجاني عن فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني.
سيناريو غزو العراق هو مشروع المحافظين الجدد الصهاينة في الولايات المتحدة ٬وهم من هندس له في رؤية متكاملة داخل دراسة كاملة لمشروع الهيمنة الامريكية على العالم في القرن الواحد والعشرين. وما يزال ترديد بول وولفيتز أحد أعضاء هذه المجموعة العنصرية جملته هذه حاضرا في الاذهان: بسرعة ٬ اتركوا الكلام عن أفغانستان واهتموا بالعراق.
في قلب هذا المشروع أفكار ومخططات لاحتواء وانهاء كل ما هو عربي والقضاء على الإسلام تم تطبيقها حرفيا في العراق منذ وصول بول بريمر الذي نصب حاكما مدنيا على العراق وحكم حرفيا باسم المحافظين الجدد لأنه واحد منهم. هو من شكل مجلس الحكم بشكله الطائفي والعرقي لكي يبعد كلمة عرب وشعب عربي ويختصرهم كما يحب “بشراذم متقاتلة” مع بعضها سنة وشيعة وهو ما يتم تداوله في الاعلام الأمريكي والغربي بينما يعتبر الاكراد قومية وشعب متكامل وفيهم السني والشيعي وغير ذلك وهو القومية الثانية كما ينص عليه الدستور العراقي السابق قبل الغزو ولا ينكره. وتنفيذا للمخطط الأمريكي حصلت فتنة وحرب سميت بالحرب الطائفية والمدنية في العراق لكنها بدأت بتفجير مرقد سامراء من قبل ايران كما صرح الجنرال جورج كيسي قائد القوات الامريكية وبالتنسيق مع الجيش الأمريكي استهدفت إبادة الجيش العراقي السابق والمقاومين والرجال بالقتل والسجن والتعذيب والتهجير حتى قال الصحفي البريطاني من جريدة الاندبندنت روبير فيسك عن هذه الفترة : كنت احصي يوميا ولمدة شهر عدد الجثث الواصلة الى الطب العدلي بألف جثة في تموز 2007 .وهذا العدد خاص بهذه الدائرة ولا يحصي الجثث المقطعة والملقاة في المزابل وفي الأنهار . خلال هذه المجازر المروعة شرعت حكومة الاحتلال المادة أربعة إرهاب التي اطلق عليها اسم مكون من الشعب العراقي والتي اعتقل وسجن وعذب وقتل بذريعتها مئات الاف العراقيين الابرياء.
وبموافقة الولايات المتحدة تكاثرت القنوات الطائفية لبث سمومها ضد العرب والإسلام وهي اليوم اكثر من ثمانين قناة بعضها يبث من دولة الاحتلال الإسرائيلي وتابعة لإيران. واما الإسلام الذي أراده بول بريمر للعراق تحت الاحتلال فهو اسلام العمائم المرتبطة بالخارج التي استقبلها واخذ معها صورا كثيرة والتقاها بالأحضان والقبلات والتي اعتبرت الجيوش الامريكية صديقة وليس قوات احتلال بقتوى المرجع الديني الإيراني على السيستاني والتي ما تزال تدافع عن عملية الاحتلال السياسية المهترئة حتى بعد ثورة الشعب العراقي في تشرين. “اسلام الاحتلال والمتعاونين معه ” دمر غالبية مساجد بغداد والموصل والفلوجة وديالى وغيرها واقترف عددا من المجازر قتلت عشرات المصلين واخر قرارات حكومة الكاظمي هو العفو عن مقترفي مجزرة مسجد مصعب بن عمير المحكومين بالمؤبد التي راح ضحيتها أكثر من سبعين شخصا. منذ سبعة عشر عاما كل ما يحدث في العراق هو تنفيذ لخطط المحافظين الجدد وتوصيات “معهد راند” التي صدرت في قمة عمليات المقاومة الوطنية العراقية عام 2007 والتي تصل الى الف صفحة تتعلق بكيفية تشكيل وعي جديد لسكان العراق وللعرب عموما وهذه الدراسة هي خارطة طريق لقمع وابادة أي نفس مقاوم لان كتاب هذه الدراسة يعتقدون ان الإسلام هو من يعطي القوة والشجاعة ويدفع سكان هذه البلدان للمقاومة. لنتذكر مشهد الجنرال اوديرنو قائد القوات الامريكية السابق في اسيا وفي العراق وهو يخطب في جنوده ويقول لهم ان مشكلة “هؤولاء” تكمن في دينهم ويجب محاربة دينهم. هذا هو سيناريو التطبيع الأخطر الذي بدأ بغزو العراق.
لقد وضع هذا الغزو المنطقة كلها امام معطيات استراتيجية جديدة أهمها توسيع رقعة الحرب على المنطقة وجعلها حرب عالمية عليها بحجة الإرهاب الإسلامي تارة وأخرى بحجة داعش حيث شارك في حرب الموصل عام 2017٬ 68 دولة بتصريح باراك أوباما نفسه والمعركة كما ظهر لاحقا لم تكن تحريرا بل تجريف وطمر أبناء الموصل العرب وأهلها الرافضين للاحتلال ولعمليته السياسية بقصف كثيف للطائرات وتهديم المدينة على رؤوس سكانها المدنيين الأبرياء وهو ما جرى ومستمر بأشكال أخرى للمدن الغربية وسكانها المهجرين منذ سنوات عديدة في العراق الذين يصل عددهم بحسب السفارة الامريكية الى ثلاثة ملايين نسمة. لقد فتح غزو العراق الباب لنفس السيناريو في سورية واليمن ولبنان وفلسطين. الوضع الجيوبوليتيكي الجديد الناتج عن هذا الغزو هو الذي سمح بنسف قرارات الشرعية الدولية حول فلسطين والأراضي العربية المحتلة في سوريه ولبنان بدليل ما قام به ترامب من التبرع بالقدس عاصمة والجولان وقريبا الضفة الغربية.
في حين ما تزال نخبة من المصالح مالية وعسكرية في الولايات المتحدة تعمل على تنفيذ حلم حضارة يهودية اسوة بالديانات المسيحية والإسلام بحسب جاك اتالي مستشار الرؤوساء الفرنسيين ٬ تجعل من القدس العاصمة المالية للعالم٬ يدرك مثقفون صهاينة وسياسيون في كل مكان عقم محاولات التطبيع بسبب فشلها في مصر بعد أربعين عاما ٬ وفشلها في تونس والمغرب والفشل المدوي لجهود اللوبيات المؤثرة لدى لجاليات العربية في أوربا٬ ليترك كثيرون الدولة اليهودية بعد الانتفاضة٬ ومنهم من يقر اليوم ان طريق الكيان الصهيوني مسدود تماما وحلم شارون من النيل الى الفرات قد مات معه ) هوبير فدرين وزير الخارجية الفرنسي(٬ الى ما كتبه قبل أسابيع “بيتر بنهارت” المثقف الأمريكي الصهيوني المعروف في صحيفة نيويورك تايمز بأن لا حل لنا الا في دولة مواطنة للجميع فيها بيت لليهود لدى الفلسطينيين.
لقد انفقت الولايات المتحدة تريليونات على الغزو وحشدت مليوني ونصف جندي واكثر من ستين دولة ٬ لتنبثق ثورة تشرين السلمية في العراق وتكون الرد على الاحتلال وعلى خطط التطبيع واغتصاب المنطقة بكاملها التي تختفي ورائه ٬ لقد انجبت ارض الرافدين بعد سبعة عشر عاما من التدمير والتخريب والابادة الجماعية جيلا من الرجال والنساء لا ينخدع بالمخططات الخبيثة المقنعة بالدين او الديمقراطية لتعويم هوية العراق والعرب وتشويه الإسلام التي هي اهداف التطبيع ٬ شباب وشابات توشحوا بالكيفية العربية حتى في شمال العراق لدى شعبنا الكردي مصممين مهما كلفهم الامر على استعادة بلدهم من المحتلين الذين اوغلوا في تخريب العراق وإبادة شعبه وتجريف تاريخه وسرقته لطي صفحة الاحتلال بالكامل.