قبيل أيام عدة من إطلالة القرن الماضي، نجح الفيزيائي الألماني ماكس بلانك ( 1858 – 1947 ) في أحداث قفزة واسعة بطريقة فهم الإنسان لما يحيطه من الطبيعة على وفق ما كان سائداً في علم الفيزياء، بعد أن باغت جميع الأوساط العلمية بإعلانه ( نظرية الكم ) التي كان وقعها مدويا مثل النظرية النسبية في حل إشكاليات لم تستطع الفيزياء الكلاسيكية تفسيرها، حيث أفضت أبرز نتائجها العملية إلى المساهمة حينئذ في اقتراب العلماء بشكل أعمق لمهمة إدراك طبيعة المادة والإشعاع. ومن مفارقات آثار هذه النظرية التي أذهلت العالم، ما تجسد بطروحات العلماء من أن نظرية الكم صعبة الفهم، وأنها تبدو من الأشياء التي يجب أن تؤخذ على علاتها ما دامت تأتى بنتائج إيجابية، إضافةً إلى أن الكتب العديدة التي تشرح هذه النظرية، تثبت بحسب العلماء أنه لا أحد من مؤلفيها يفهمها. إلا أن الأكثر غرابةً ضمن هذا السياق هو إجابة مكتشفها على سؤال يتعلق بمدى اقتراب نتائج إحدى الدراسات العلمية المقدمة من أحد طلبة الدراسات العليا لنيل شهادة الدكتوراه في علم الفيزياء مع مضمون نظريته، من أنه ما يزال يعيش الظلام بالنسبة إلى نظرية الكم!!!.
وليس من شك في أن هذه المقولة التي أسر بها ماكس بلانك العلماء في بدايات القرن العشرين، كانت صادمة إلى شريحة العلماء بفعل الضبابية التي كانت تخيم على صاحبها، على الرغم من كونها تشكل أهم نظرية في الفيزياء الحديثة التي أفضت إلى كثير من الإنجازات والتطبيقات مثل اختراع الدايود والترانزستور والدوائر المتكاملة، فضلاً عن ظهور أجهزة التلفزيون والهاتف والحاسبات وغيرها.
إن ما يهمنا من هذه الواقعة المتفردة هو اقترابها إلى حد بعيد مع تساؤلات شعبنا بعد الأحداث المتلاحقة والمثيرة التي أعقبت خروج مدينة الموصل من سيطرة الحكومة المركزية في العشرين من نيسان الماضي، عن جدوى توقيع ( اتفاقية الإطار الاستراتيجي ) ما بين الحكومتين العراقية والأمريكية، بالاستناد إلى تلكؤ إدارة الرئيس الامريكي باراك اوباما في تقديم ما يتطلب من دعم فعال ومؤثر، بمقدوره المساهمة في إدامة مهمات الجيش العراقي الذي خسر كثيرا من معداته وأعتدته في مواجهة العمليات الإرهابية. إذ ما تزال الضبابية تخيم على رؤية شعبنا لهذه الاتفاقية التي كانت نتيجة بحثي عن مضامينها، تشير إلى إنها: اتفاقية طويلة الأمد في كافة المجالات منها الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية والأمنية، تهدف إلى المساهمة في تعزيز وتنمية الديمقراطية في العراق، ومن شأنها تأمين قيام العراق بتحمل كامل المسؤولية عن أمنه، وعن سلامة شعبه والمحافظة على السلام داخل العراق وبين بلدان المنطقة.
ولا أكتم سراً أني مثل كثير غيري، ما زلت أعيش الظلام حيال هذه الاتفاقية التي كثر حولها الجدل، ولا أجد لها تأثيراً في تغيير مجريات الأمور على الأرض، سوى نجاح معديها في العناية بانتقاء عنوانها بتضمينه كلمات ذات مدلولات كبيرة مثل الإطار الاستراتيجي، وبعيدة المدى، حيث أن موجبات التحالف الدولي واضحة المقاصد، مثلما شاطرني به الرأي صديقي العزيز مطشر الحلاق الذي لم يتردد لحظةً في إبداء إعجابه بالعالم الألماني ماكس بلانك؛ لتوصله إلى نظرية الكم التي مهدت لدخول صاحبي عالم الفيس بوك.
في أمان الله.