لم يكن نداء امرئ القيس في معلقته بالوقوف على الأطلال والإجهاش بالبكاء، على ذكرى حبيب ومنزل يجدي معه نفعا حين قال:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ولم يكن بدعوته تلك قد أتى بفتوى جديدة مكللة بالحلول الناجعة، تغير من حاله مع حبيبه، مادام الأخير قد رحل والدار آلت الى طلل، وقد أدرك ابو نؤاس هذا بعد قرنين ونصف القرن، حين ازدرى به وسخر منه بقوله:
قل لمن يبكي على رسم درس
واقفا ماضر لو كان قد جلس
وأغلب الظن أن امرأ القيس كان موهوما في مدى مصداقية الواقفين معه في الأطلال والباكين لبكائه على ذكرى حبيبه، إذ هم في حقيقة الأمر متباكون، بين موارب ومنافق ومتشفٍّ وكذلك عدو ومتحين للفرص..!.
في الآونة الأخيرة كثرت زيارات رؤساء مجالس البلد الثلاث، وكذلك نوابهم، الى دول قريبة وأخريات بعيدات، وفي الحالتين رحم الله والديهم -ووالد والديهم- إذ يبدو أن مصلحة العراق والعراقيين مازال لها حيز في اهتماماتهم، ولكن مايكدر صفو الرضا هو عدم جدوى هذه الزيارات، لالشيء إلا لأن الجهات المزارة لها موقف سابق أسود وآخر أحمر وثالث أصفر مع العراق، حيث ينعدم الموقف الأبيض والأخضر. أستذكر منها زيارة رئيس برلماننا ونائبي رئيسي الجمهورية ورئيس الوزراء دولة الأردن، فعلى الرغم من مرور مايربو على الشهر عليها لم يبدر من الملك عبد الله رد فعل يوحي بجدواها ونفعها، وأظن هذا لن يحدث بتاتا..! فالملك عبد الله كان قد فتح ذراعيه لمن هب ودب من عائلة المقبور صدام وأقربائه وأصدقائه، وهو ذاته الذي أخذ بالأحضان كل من عادى العراق الجديد بعد عام 2003، وضم تحت جلباب ملكه وبحمايته المناهضين للعملية السياسية الفتية في العراق، سواء أمِن البعثيين كانوا أم من غيرهم! وهو نفسه الذي ضمن لهم حرية العمل والتجارة والنشاطات الإعلامية، كذلك لم يبخل عليهم -الملك ابن الملك- بالدعم المعنوي، فما إن ينوي أحد المعارضين للحكومة العراقية إعلان بيان او إدلاء شهادة او إلقاء خطبة، حتى تخر له القنوات الفضائية الأردنية على أعتاب محل إقامته منصاعة مطواعة، لتبث ما يريد البوح به -مع علمها بمدى مصداقيته فيما يبوح به-.
كذلك من النشاطات المشهودة التي أوصى بها الملك عبد الله بن الحسين، هي فتح أبواب القاعات على مصاريعها في محافظات الأردن جميعها، وفي الأوقات والأزمان كلها، أمام من يزمع عقد اجتماع يضم تحت قبته أركان النظام السابق، وكبار القادة والضباط والبعثيين “وإن لم ينتموا”. مع التشديد على إعطائهم حريات إبداء الرأي والتعبير والنشر والإعلان.. وكذلك التهجم والاتهام والسب والشتم كما يحلو للمجتمعين على المستويات كافة.
كذلك ضم صدر الملك الرحب الخارجين عن القانون، والداخلين بالأحكام الغيابية من المدانين والمتهمين بجرائم إرهاب، وجرائم فساد إداري ومالي من المختلسين الذين صدرت بحقهم مذكرات إلقاء القبض. ولم يتوقف ترحاب الملك عبد الله عند هؤلاء، بل خفض جناح الرعاية والعناية للذين يطبلون ويزمرون لالهدف منشود او غاية سامية، بل لإسقاط الدستور والحكومة العراقية، ولاهمّ لهم غير معارضة نظام الحكم “الرافضي” في العراق. وللتاريخ.. فقد أولى جلالة الملك عبد الله كل من يعيق مسيرة العراق والعراقيين اهتماما ودعما وإسنادا مميزا.
أما عن علاقة امرئ القيس بسفر مسؤولينا الثلاثة الى الأردن، فكما نقول؛ (للسالفه ربّاط).. إذ مع أن معلقة امرئ القيس مر على نظمها وإنشادها وتعليقها على أستار الكعبة قرابة 1460عاما.. فيما زيارة رئيس برلماننا ونائبي رئيسي الجمهورية والوزراء مر عليها شهر وبعض الشهر، إلا أن القائمين بها على مابدا لديهم كعبتهم الخاصة في عمان، يعلقون على أستارها اتفاقاتهم الخفية مع حجيج الغاية والوسيلة التي ينشدونها جميعهم، وفي التقائهم -تحت رعاية الملك- في ظرف كالذي يعيشه العراق اليوم، يقفون حتما على ذكرى حبيب ومنزل رحل منذ اثنتي عشرة سنة..