ونحن صغار ، كنا نقرأ في كتبنا المدرسية ان الوطن هو الروح للجسد ، وبدون الروح لا يكون الجسد ولا الانسان , وكتب لنا المعلم على السبورة كلمة « الوطن » بحجم نافذة الصف ، وتركنا نفكر في التعبير عن الوطن الذي أخبرنا جاداً انه اكبر الكلمات حجماً واجملها لفظاً وانقاها دماً , وكتبنا في دفاترنا المدرسية الكثير الكثير .
وكان المعلم يرقبنـا باسماً . ويختلس وهو يتمشى بين فراغ الرحلات ، ما كتبه البعض منا ، وعندما كان احدنا ينهض قارئاً بعض ما كتب ، كان المعلم يهز رأسه بصمت دون أن يقول شيئا .. وشعرنا ان ما كتبناه صغيراً ازاء عظمة الوطن الذي هو القلب والدم والوريد .
معلمنا الكريم هذا هو ابي , قد انتبه الى احد الطلاب حين كتب “ان الطير يموت دفاعاً عن عشه ، ولا يفارقه الا بعد ان يفنى العش وتحترق الشجرة ” وكتب آخر ” ان عيوننا عمياء عن كل شيء ما عدا الوطن الذي نشأنا فيه” وكتب آخر” انه سافر الى احدى الدول الاجنبية مع أبيه ، وعندما عاد الى ارض الوطن ، كان اول ما فعله انه قبل أول شجرة صادفها على قارعة الطريق .
يقول ابي الذي هو المعلم “ان الوطن اعظم ” ولم يرتح ابي الا بعد ان رسمنا في دفاترنا هذه المرة قلوباً كبيرة وقلنا انها الوطن عندها بكى ابي المعلم، وصفقنا للبكاء العظيم ، وانتهى الدرس