22 ديسمبر، 2024 10:07 م

ابو رغيف.. الحقيقة والتزييف

ابو رغيف.. الحقيقة والتزييف

تصاعدت شعبية الفريق احمد ابو رغيف بسرعة ، لان العراقيين الذين يعيشون حالات من الاحباط المتورم .. كانوا دائما بانتظار المعجزة ، و المنقذ الذي يشهر سيفه ضد الفساد والفاسدين .. لا يخشى في الله لومة لائم .. ولا يخشى من سلطة حزب غاشم .
الفريق ابو رغيف .. لم يكن الافضل من بين صفوف ضباط جيشنا منزلة ودهاء ..لكنه الاكثر جرأة وبلاء ، وهو يقود وبثبات لجنة مكافحة الفساد .. لانقاذ البلاد والعباد ، من شرور المتسلطين ، وهيمنة الفاسدين .
كنت دائما اقول .. وتحت ضغط كل الظروف السياسية المدمرة .. ان الاستجابة لابد وان تحضر في يوم ما ، عندما يكون التحدي كبيرا .. والامل ضعيفا .. وهل هناك اخطر من التحدي الذي يفرضه الفساد ، بعناوينه واشكاله ومافياته .. منهجا ، وممارسة واجتهاد .. بعد ان اصبح ثقافة عامة ، تسللت وتوطنت في معظم الوزارات والهيآت .. وتمترس حولها ، وتورط فيها ، الصغير والكبير ، الوزير والخفير ، والصالح والطالح ، الرابح والخسران ..حتى اصبح فرضا من فروض الطاعة والاذعان .
نحن اليوم.. بحاجة الى ضباط مهنيين و وطنيين من صنف احمد ابو رغيف وعبد الوهاب الساعدي .. لكي يقوموا بجهد مهني ، وبحس وطني ، واداء قوي .. دون التمييز بين فاسد واخر ، فقبيلة الفساد منهجها واحد ، ومنبعها واحد ، وهدفها واحد .. وان تعددت فروعها ، وافخاذها وانتماءاتها.
كان ظهور القائد العام للقوات المسلحة السيد مصطفى الكاظمي ، وهو يتوسط الفريق ابو رغيف ، والفريق عبد الوهاب الساعدي .. اشارة بليغة ، ورسالة واضحة .. الى كل الذين يراهنون على امكانية استمرار اذلال الدولة واجهزتها الامنية ، وبقاء الدولة الفاشلة ، التي صارت فريسة لجماعات اللادولة .. ينهش بها من ينهش ، ويعبث بها من يعبث .
الغريب.. ان لجنة مكافحة الفساد التي اثبتت جدواها وفعاليتها .. من واقعة هيأة التقاعد والقبض على مديرها العام ، الى كشف ملفات الكهرباء بقدرة وانتظام .. لم تلق ترحيبا كبيرا .. ووقف البعض منها مشككا ومتحديا ، او خائفا مرتعبا ، والبعض الاخر متفرجا مرتابا .. بالمقابل هناك القلة ، من اشاد بعملها وجرأتها ، وبادائها وسرعة انجازاتها .
ثم جاء الحدث .. الاكثر تحديا واثارة .. باعتقال اللواء قاسم مصلح القيادي في الحشد الشعبي والمتهم بقضايا متشعبة ، فتعزز الاعتقاد .. ان لا خطوط حمر تعيق عمل لجنة ابو رغيف ، وكان على العقلاء في الحشد الشعبي ان يفهموا الرسالة ويستوعبوا محتواها.. ويتركوا القضية تاخذ مجراها .. والا فأن اي موقف مناهض ضد لجنة ابو رغيف .. سيزيد من حجم الاستياء الشعبي المتنامي ضد كبار الفاسدين ، من مدنيين وعسكريين ، ورجال اعمال متلبسين .. مهما علا شانهم وثقل وزنهم ، وتعدد ارتباطهم .

لست هنا .. بمعرض الاشادة بدور الحشد الشعبي وصولاته وتضحياته ، في الحرب ضد داعش ، فقد كان حقا وحقيقة سباقا في المعارك .. قبل ان تستعيد الدولة المترنحة قواها ، وفرض سلطتها وهيبتها ، بعد سقوط الموصل وما تلاها .. لكن الذي فرط بهذه الاهداف النبيلة .. هو الرغبة الجامحة في الحصول على الغنائم وتحسين الاحوال .. والتنابز بالالقاب والتعاظم بالرتب والمال ، و محاولة اذلال الدولة واجهزتها الامنية والتعالي عليها .. لان ( هيبة الدولة من هيبة الحشد ) هكذا يختزلها السيد هادي العامري .. وكأن الدفاع عن الارض والعباد .. صار مرهونا بالقوة التي تتمرد على الدولة ورموزها ، وبالغنيمة والتحكم بمصير البلاد .
الثابت .. ان ولادة الحشد الشعبي .. جاءت بفتوى من المرجعية.. ولم يكن القرار صادر من عقل الدولة القوية .. وبعد استقرار مكانة الحشد العسكرية ، كقوة موازية ، لاجهزة الدولة الرسمية .. سارعت ايران في مضاعفة قدراته ، وتزويده باحدث الاسلحة .. على غرار ما فعلت مع حزب الله في لبنان ، ومع حماس والجهاد في الارض المحتلة ، ومع الحوثيين في اليمن المنهكة .
ان اخطر ما يسعى اليه الامريكان في هذه الايام .. هو ايجاد ثغرات ومبررات التصادم بين اجهزة الدولة ، وفصائل الحشد ، والحديث المستمر .. عن معركة مرتقبة لا مفر منها ، وهو بحق حديث خطير ، تغذيه وسائل اعلام مأجورة ، واخرى موتورة .. وهذا يعني دخول العراق من جديد في نفق مظلم لاضوء في نهايته .
وعلى العقلاء في الحشد الشعبي .. العودة الى منطق الدولة ، ومغادرة لعبة اللادولة ، وان يكونوا سندا حقيقيا لها ، وليس عليها.
في خصوصيات الساحة العراقية التي تختلف تماما عن ساحة بيروت وصنعاء .. لا احد سيظل الى الابد في منأى عن المساءلة .. ولا احد فوق القانون والعدالة .. ولجنة ابو رغيف هي الامل الاخير ، في فرض ارادة دولة القانون .. ومغادرة دولة الفافون .