في بلادنا لا تحتاج الى معجزة لتحصل على فرصة عمل، فقط تحتاج الى دراجة هوائية وبعض الصبر على مطبات الشوارع، ثم تصبح بعدها شخصية اسطورية اسمها ابو التوصيل الدفري.
تراه ينطلق بين السيارات كالنحلة، يسبق السايق في الاشارة الحمراء، ويظهر فجأة امام المارة كأنه كائن خرافي. يحمل صندوقا صغيرا لا تدري هل فيه وجبات ساخنة ام باردة.
ميزة ابو الدفري انه سرعان ما يصبح صديقا، وغير اجرة التوصيل ليس امامه الا ان يطلب دعاء صادقا الا تنفجر عجلة دراجته في منتصف الطريق.
الطريف ان بعض المطاعم صاروا يعتمدون عليه مثل اعتمادهم على الطباخ الماهر، اهتمام متساو. فالمعادلة بسيطة: بدون توصيل الزبون يزعل، ومع ابو الدفري صار الزعل اقل والزحمة اخف.
لكن لا تنخدع، ابو التوصيل الدفري ليس مجرد عامل بسيط، بل هو فيلسوف دواسات. يعرف كيف يوازن بين سرعة الوصول وسلامة الطعام، كيف يحاور اشارات المرور بوجه عابس، وكيف يقنع الزبون ان التأخير سببه الزخم، لا ان دراجته قررت ان تتنفس قليلا.
وربما قريبا تتسع رقعة الشركات ويكثر المعتمدون على هذا العمل تحت شعارات من قبيل: طلبك عندك بسرعة البرق، او غيرها.
الحقيقة ان هذه المهنة تقول شيئا واحدا: العراقي قادر على ان يحول اي شيء الى فرصة. واليوم جاء الدور على الدراجة الهوائية لتصير سلاحا ضد البطالة والزحمة.
فاذا سمعت طرقا خفيفا على الباب، ووجدت شابا يتصبب عرقا وهو يناولك كيس الطعام بابتسامة منهكة، لا تتردد ان تقول له: احسنت يا بطل، لقد كفيت ووفيت وخففت عنا الذهاب والانتظار والطريق.