18 ديسمبر، 2024 9:50 م

ابو احمد والفكر التفكيكي

ابو احمد والفكر التفكيكي

ابو احمد رجل كبير في السن، يجلس مساء في المقهى القريبة على منزله كالمعتاد، بعد تناول الشاي، يتداول الحديث مع الموجودين ويقضي وقتاً ممتعاً معهم، في احد الايام جلس بالقرب مني، واخذ يتحدث عن واقع البلد وما يجري، وكانت نبرته حادة وكلامه بحرقة، وبعدها قطع الحديث بأشعال سيجارته التي لم يفارقها منذ زمن.

ظهر على شاشة التلفاز احد الشخصيات السياسية المعروفة في البلد، واخذ ابو احمد بالانصات له، فقال “ابو القاط” حسب تعبير “ابو احمد” ، :”الروح على المادة، في اقصى الذي غلب المادة على الروح، فمن اتجه اتجاهاً روحياً، تجريدياً، كسارتر وبعض الذين ترهبنوا، وهناك من غطسوا في المادة، الى حد الذي فسروا العالم تفسيراً محضا””ً ، اطفئ ابو احمد سيجارته وقال “حرام بالحرم اذا فهمت شي ، ما تفهمني؟ ” ، فقلت له ” ان الديماجوجية الفكرية للامم التي ترتقي الى الاعلى، وتتداخل في وحي الطبيعة المنطوي في هالة التكوين يجب ان تكون امماً تحكم الارض طولياً حسب نظام الفلكي الايدلوجي التفكيكي الفكري “، ضحك ابو احمد وقال ” عمي انت جاي تحجي صدگ لو جاي تسخر جني؟ ” ، قلت له (وداعتك) لم افهم شيئاً مما قاله “ابو القاط”.

جميل جداً ان يكون للانسان منطقاً في النقاش والتحاور، وجميل جداً ان يكون للانسان فلسفته الخاصة، وان يملك مجموعة من المصطلحات الفلسفية، ولكن ليس الجميع على نفس المستوى الفكري الذي تملكه، فالكثير من الطبقة العامة، لا يفهم ال(البرغماتية)، ولا يعرف معنى (السفسطائية) ، وربما يعتقد ان (الفسيفساء) ماركة لجهاز كهربائي، فهناك الكثير من “ابو احمد”يحب ان يسمع الكلام الواضح والسهل ، وهناك الكثير ممن يفتقر الى الشخصيات التي تتكلم بهذا الوضوح، فبات اكثرهم يبتعد عن التلفاز خوفا من ال”القمقم”.
الكلام هنا عن الوضوح والسهولة للمتلقي، فبعض الشخصيات، وللاسف يعتقد ان صعوبة الحوار، واستخدام المصطلحات الفلسفية، يعطي انطباعاً على انه شخص قوي، ومؤثر ومثقف، وكل هذه المشاكل ابعدت الفرد العراقي عن القراءة وحتى الكتابة، ربما يقول البعض اغلب كلمات القران الكريم ونهج البلاغة، صعبة وغير مفهومة للبعض، واحاديث النبي والائمة الاطهار(عليهم السلام) ، ايضاً فيها صعوبة في بعض الاحيان، الرد على هذا السؤال في رأيي الشخصي، ان القران الكريم انزل في زمن كان الشخص يحفظ عشرات الابيات من الشعر الجاهلي، والجميع يعرف صعوبة مفردات الشعر الجاهلي، حيث لم تكن هناك صعوبة لدى الناس في بعض مفردات القران الكريم .
اما خطب امير المؤمنين، واحاديث الرسول والائمة الاطهار (عليهم السلام)، كانت في زمان كانت اللغة العربية مزدهرة، حيث الشعراء والكُتاب وعلماء الفلسفة والمنطق والنحو، عكس هذا الزمان الذي نمر به للاسف، حيث اللغة العربية لم تعد مزدهرة، بسبب الاحتلال و تداخل الثقافات، و اصبحت اللغة الذي يتداولها المجتمع مزيج من عدة لغات.
الوضوح ليس بالشرط ان يكون خالي من المصطلحات الصعبة، بل انه خالي من التخبط والمناورات غير المفهومة، التي نسمعها من بعض الشخصيات السياسية او الاعلامية، الذين يخفون الحقيقة عن المستمع، حتى بات الفرد العراقي يبحث عن الحقيقة، ويبحث عن صاحب الوضوح والشفافية في كلامه وتصريحاته، ولحسن الحظ، اصبح بعض الناس يعرفون من هم اصحاب الوضوح والاعتدال، ومنهم “ابو احمد”، بعد ان اسمعته كلام لاحدى الشخصيات المعروفة ايضا والذي يقول: “اننا بحاجة الى تعميم تجربة الحشد الناجحة، من حشد عسكري للتحرير،الى حشد انساني لرعاية عوائل الشهداء والجرحى، والمضحين والمعوزين والمتضررين، وحشد صحي، كأن يخصص كل طبيب ساعات من عمله الاسبوعي للعلاج المجاني للشريحة المعدمة، وحشد خدمي وبه نحول مفهوم الخدمة الى مفهوم عام يمارسه الجميع كلٌ من موقعه”، فقال “ابو احمد”:”عمي هذا الحجي الحلو”.