18 ديسمبر، 2024 6:51 م

ابعدوها عن بني الدعوة يستقيم لكم العراق

ابعدوها عن بني الدعوة يستقيم لكم العراق

أستقبلنا النظام الديمقراطي في العراق الجديد بالافراح والسرور، ظناً منا ان معاناتنا في الحقبة الصدامية المظلمة قد ولّت وأنتهت، واننا سنعيش حياة ملؤها الأمن والاستقرار والسعادة، ولكن ما درينا في ظل هذالظام أن حياتنا ستكون مليئة بالقلق والوجوم والاضطراب؟!
أين الخلل والسبب الحقيقي في اشاعة الفوضى والفساد والأزمات والويلات والأخطار في العراق؟ هل هو في النظام الديمقراطي وآلياته وقوانينه، أم في القائمين عليه في هذا البلد؟
يعد النظام الديمقراطي من أفضل الأنظمة السياسية الذي توصل إليه العقل البشري رغم بعض الشوائب التي قيلت فيه، إلا أن اليوم الدول المتحضرة والمتقدمة تستخدمه، لأنها ترى فيه المشاركة السياسية الفعالة للشعوب والحرية باختيار من يمثلهم في الحكم، إذن من الناحية السياسية كنظام لا أشكال فيه.
مشكلتنا ومصيبتنا في العراق بالقائمين على هذا النظام، فلم تستلم الحكم إدارة عندها القدرة والقابلية العالية في قيادة العراق بعد عام 2003م، وليس هذا معناه أنه لا يوجد فيه رجال قادرين على الحكم، ولا يصح أن نعمم هذا الأمر على جميع الكتل السياسية، كل ما يمكن قوله وهو القدر المتيقن: ان الحزب الحاكم في العراق فشل فشلاً ذريعاُ في قيادة الدولة.
هناك أخطاء كثيرة فادحة تسببت بها قيادات حزب الدعوة، فجلبت علينا الكوارث والبلاء، منها:

أولا- انهم استخدموا سياسة الممالاة للإكراد والسنة، ومداهنة البعثيين، ومصانعة أصحاب النفوذ والقوة من الاحزاب الشيعية، فأعطوهم المناصب والوظائف العليا، دون الرجوع الى معيار النزاهة والكفاءة والقدرة.
ثانيا- قياداتهم تتصف بضعف الإرادة والعزيمة، فلم تكن لهم شخصية قوية قادرة على مواجهة الاحداث والتغلب عليها، حتى استولت الاحزاب النفعية والمليشيات على مقدرات وخيرات البلد، فلم تقف حكوماتهم موقفاً إيجابيا يتسم بالصلابة ضد رغباتهم وأهوائهم، بل سلمت زمام الأمور بأيديهم.
ثالثاً- تسببوا بهدر وإسراف وتبذير المال العام، وعموم سياستهم المالية كانت قائمة على الإفراط والتفريط، ونزعتهم النفسية كانت تميل الى البذخ والترف بعيدة عن بساطة العيش.
رابعاً- في سياستهم المالية أوجدوا الطبقية في المجتمع العراقي، من خلال توفير أمتيازات مالية وتقديم بعض الناس على بعض، ضاربه بذلك مبدأ المساواة، والإنفاق على المرافق العامة، وإصلاح الحياة الإقتصادية، ومكافحة الفقر، وإعالة الضعيف والمحتاج، فجعلوا من الناس طبقتين، طبقة متخومة فاحشة الثراء همها اللهو والترف، وطبقة معدومة كادحة من اجل الحصول على فتات موائدهم، وتشقى في سبيل أولئك السادة.
خامساً- اختيار أو البقاء على الفاسدين في المناصب الحكومية، من وزراء الى مدراء عاميين الى رؤساء جامعات وهلم جرا، وأغلب المناصب دون الوزارة كانت بيد الحزب الحاكم.

ماذا خلّفت وتركت هذه السياسات من أزمات وويلات وأخطار جسيمة على المواطن والوطن؟
أهم تركة ثقيلة خلفتها عدم أحترام القانون وتهميش السلطة القضائية، وأصبح الفاسدون والمجرمون يسرحون ويمرحون، فشاعت الفوضي في السلوك وفساد الأخلاق، والتمرد ضد القانون، وظهور الحركات التكفيرية والكافرة علناً.
*أصبح الحكم وسيلة من وسائل الإثراء والتسلط، ومغنم للتمتع بالنعم والخيرات عند المرشحين للإنتخابات، وليس وسيلة للإصلاح الإجتماعي والإقتصادي للبلد، وهدف إنساني نبيل.

*من مخلفاتها أيضاً، إيجاد الإرستقراطية والرأسمالية التي هدفها جمع الأموال بأي وجه كان وتحت أي ذريعة، حتى ولو كانت على حساب تدمير سلوك وأخلاق المجتمع، كالمخدرات وغيرها، في حين الأوساط الإجتماعية تعاني الضيق والحرمان.

* من متارك هذه السياسة إحياء النعرة الطائفية والقومية التي تسببت في إزهاق الأرواح وإراقة الدم العراقي.
*أيضاً تطلع اعناق النفعيين وتهالكهم للوصول إلى السلطة وكرسي الحكم بالإعتماد على القوة دون الإعتناء بمصالح الشعب العراقي، فبرزت الفتن في البلاد. ومن المخلّفات الخطيرة جدا التي تركتها السياسة، هي ظاهرة الكراهية والبغض للدين ورجاله، فأستغلها العلمانيون وطبلوا لها بشعار”بأسم الدين باگونة الحرامية” لإبعاد الإسلاميين عن الساحة السياسية، ولا كأنّ صوت المرجعية الدينية يصدح من على منبر الجمعة مندداً بالسياسة الحاكمة الخاطئة!!!
*خروج المظاهرات إحدى نتائج سياسات الغلط، وما رافقتها في بعض الأحيان من أحداث شفب واشتباكات مسلحة مع قوات الأمن والتعدي على ممتلكات الدولة، ولم توجد سياسة ذكية في التعامل معها، بل زادوا في الطين بلة بتسويفهم لمطاليب الجماهير الغاضبة، كما حصل مع السيد المالكي في مهلة “100” يوم لتحسين وتوفير الخدمات، ومع العبادي في ضرب الفاسدين، حتى صارت مطاليبهم هباءا منثورا، ففقدت الثقة بين الشعب والحكومات المتعاقبة، وشاع التذمر السخط الجماهيري.

يجب على الطبقة السياسية إيجاد الحلول العاجلة، إذا كانوا فعلاً يدعون الوطنية والنصح لهذا البلد، والإسراع بتشكيل حكومة وطنية بعيدة عن التمذهب والتخندق الطائفي، واختيار شخصية وطنية مستقلة لرئاسة الوزراء لها القدرة والقابلية على الحكم، والنأي بها عن حزب الدعوة، فأن بقيت الرئاسة بأياديهم، فنحن معرضون للخطر وستقبل علينا فتن كقطع الليل المظلم، وكلّ خاسر فيها، وقد أعذر من أنذر.