أتصور في كثير من الأحيان أن حديثنا عن الرأي الآخر هو نوع من الرفاه الفكري . وأتصور في غالب الأحيان أننا لانسمع إلا أنفسنا على اعتبار أن الحقيقة حكر علينا . وأتصور دوماً أن من له رأي يخالف الرأي الذي أبديه هو عدو لي وليس هناك من وسيلة للتعايش معه إلا من خلال تصفيته إما جسدياً أو ذهنياً . والتصفية الجسدية مفهومة للجميع ، أما التصفية الذهنية فهي أن يتبنى ذلك الشخص ما أؤمن به من خلال الترهيب أو الترغيب أو من خلال رشوته.
ولعل ترسبات الماضي التي ما زالت مطمورة بين خلايا تفكيرنا ، هي التي تقودنا الآن إلى الاعتقاد ، أن كل ما يقال حول حق الآخرين في معارضة أصحاب القرار هو من نوع الدجل والكذب . فصاحب القرار الذي يستشيط غضباً لسماع رأي مخالف للسمفونية التي يقودها وجوقته لايستطيع أن يقنع أحداً بأنه يستطيع أن يسمع الرأي الآخر أو حتى أن ينظر إليه بعيون مفتوحة وذهن متقد . والغريب أن الاتهامات والافتراءات والكذب هي جزء من ردة الفعل على الرأي المخالف أو المعارض ، وكأننا عبر تاريخنا الطويل لم نتعلم أياً من الدروس التي تتحدث عن أن اختلاف الرأي يجب أن لايذهب للود قضية . والأدهى ، أي الأكثر غرابة هو ما نعيشه من خلال الأقلام التي تطلق سمها ضد من يخالف رأي صاحبها ومحاولتها تشويه الرأي الآخر وإلصاق التهم العامة والشخصية به والتي هي في كل المرات من نوع الخيانة العظمى من تلك التي يستحق عليها الواحد حكماً بالإعدام أو المؤبد.
ويشعر المرء أن الموقف الذي نعيشه من حيث الرأي والرأي الآخر لايختلف عما يعيشه عدونا ، ومع ذلك فهو ليس متهماً بالخيانة والجريمة والسقوط، فهي ليست من ضمن أبجدية تعامل الأضداد أو تعامل الآراء المختلفة ، كما هو حالنا نحن العراقيين الذين تنطلق ثقافتنا من أن الذي يخالفني الرأي هو في الغالب عدوي وليس معارض لي ، وأن ذلك الذي لايتفق معي في الموقف هو من يجب عليّ محاربته قبل دخولي في معركة مع عدوي الذي أعرفه وأدرك أنه هو الذي يطلب رأسي.
قطعاً نحن بحاجة إلى إعادة صياغة مناهجنا لنؤمن أنه ليس هناك من واحد يملك الحقيقة في هذه الأرض وأنه في الوقت الذي من حقي أن أدافع عن وجهة نظري على اعتبار أنها تمثل الحقيقة ، فإنه من حق الآخرين عليّ أن أقبل أن تكون لهم حقيقتهم المختلفة وأن من حقهم أيضاً الدفاع عن وجهة نظرهم بذات الطريق والأسلوب الذي من حقه أن أعيشه.
الإشكال الذي نعيشه هو أن هناك طلاقاً بائناً مابين مانعرفه من شعارات ومانمارسه على أرض الواقع . وقولنا أننا نحترم الرأي الآخر هو من نوع المستحيلات التي لاأشعر أن هذه المستحيلات هي ثلاثة فقط كما ذهب الشاعر – الغول والعنقاء والخل الوفي – وإنما هي قطعاً أربعة بإضافة احترام الرأي الآخر، على اعتبار أن تَقبُّل الرأي الآخر هو المستحيل الرابع في مجتمع (القوالة) الذي نتشدق به بكل الكلام الذي يدغدغ أحاسيسنا إلا أنه لايخرج عن صداه.
[email protected]