19 ديسمبر، 2024 4:19 ص

إِقْلِيْمُ كُرْدِسْتَانَ … هَلْ يَسْرِقُ نَفْطَ الإِخْوَان؟ – 1

إِقْلِيْمُ كُرْدِسْتَانَ … هَلْ يَسْرِقُ نَفْطَ الإِخْوَان؟ – 1

بعدَ خطيئَةِ أَمريكا عندَ احتلالِها للعراقِ عسكرياً، ارتكبَتْ أَمريكا أَيضاً خَطايَا و كبائرَ أُخرى، بحقِّ الشَّعبِ العِراقي.  فإِنَّها دَّمرَتْ كيانَ دَوّلةٍ عمرُها ثمانيةَ عقودِ مِن الزَّمَن، بكُلِّ مؤسساتِها و إِداراتِها و مَنظوماتِها. مما أَدّى إِلى فُوضَى مُستمرةٍ لحدِّ السَّاعة. و بسببِ الاستعجالِ في حَسمِ الأُمورِ، بعدَ أَنْ وضعَتْ الحربُ على العِراقِ أَوزارَها. ارتكبَ السِياسِيّونَ المؤتَلفونَ، خَطيئةَ إِقرارِ الدِّستورِ العِراقيّ. الذي تَضمَّنَتْ موادُّهُ، أَكثرَ مِن عُقدَةِ خلافٍ، جعلتْ المُكوناتِ العِراقيَّةِ، تَدورُ في دوامَةِ المشاكِل. و على عكسِ العَربِ، لمْ يكُنْ الأَكرادُ على عجلةٍ مِن أَمرِهِم، لإِنجازِ كتابَةِ الدِّستورِ، فقدّ كانَ لديهِم مُتَّسَعٌ مِن الوقتِ مسبقاً، الأَمرُ الّذي جَعلهُم يكتبونَ ما يريدُوهُ في الدِّستورِ، على مَهلٍ و تَرَوٍّ، فأَصبحوا الطرفَ الأَكثرَ فائدةً مِن الدِّستورِ، و هوَ في وَضعهِ المُتصدِّع.
كمَا زرعتْ أَمريكا نِظاماً ديمقراطيَّاً، في وطنٍ تَحدُّهُ أَنظِمَةً عربيَّةً شِموليَّةً. و فيهِ شَعبٌ تَربى ليقودَهُ شخصاً واحداً، هكذا هيَ ثقافَةُ الشَّعبِ العراقِي. و الخطيئةُ الأَمريكيَّةُ العُظمَى، أَنَّها زَرعتْ النِّظَامَ الفيدراليّ، و طُبِّقَ هذا النظامُ على إِقليم كردستانَ، الحليفُ الّذي سمحَ، بانزالِ قوّاتِ الإِحتلالِ الأَمريكيّ، على أَراضيهِ فِي نيسانَ مِن عامِ  2003.
و مشكلتُنا في العراقِ يَظهرُ شكلُها المتناقضِ، في سلوكيّاتِ بعضِ السِياسيّينَ، الّذين غابَ عَن قِسمٍ مِنهُم، المشروعُ السِّياسيُّ الوَطنيُّ، لجهلهِمْ فيه، أَو لتَغاضِيهِمْ عَنه. أَمّا الجاهلُ مِنهُم فلا يَنبغي لَهُ، أَنْ ينخَرطَ في سِلكِ العَملِ السِياسيّ، ليَضعَ نفسَهُ أَمامَ مسؤوليَّةٍ أَخلاقيَّةٍ و تاريخيَّةٍ و اجتماعيَّة.
و أَمّا المُتغاضي عَن المشروعِ السِياسيّ الوَطنيّ، فهو مُصغي إِلى توجيهاتٍ خارجيَّةٍ، توجهَهُ الوجهَةَ الّتي تُريدُها الجهَةُ الدَّاعمَةُ لَه. و بقَى طرفٌ ثالثٌ مُتمثِّلٌ بالعقلاءِ، مِن ذَوي الحِسِّ الوَطنيّ، و ذَوي الوَعي السِياسيّ، و على قلَّتِهم، فعليهِم تَقعُ مَسؤوليَّةُ مُعالجةِ الأُمورِ، لتصبَّ في موردِ الصالحِ العامّ.
و مِن تعقيداتِ المشكلةِ العراقيةِ، أَنَّ غالبيةَ الشَعبِ العِراقيّ، تفتقرُ للوَعي الجَماهيريّ الكامِل و المطلوب، الّذي يؤهلُها لتصحيحِ، المَساراتِ الخاطئَةِ فِي العمليَّةِ السِياسيَّةِ، و كذلك يجعلُها داعمةً للمساراتِ السِياسيةِ الصحيحةِ فيها.
فنسبةٌ مِن الشَّعبِ العراقِي، تعتمدُ كلياً على تصوراتِ البعضِ، مِن الذين يسمونَهم بالقادَةِ و السِياسِيّين.  و هذه النسبةُ تُقدِّمُ لأولئك القَادَةِ الولاءَ الأَعمى، دونَ تمحيصٍ بأَنَّ هذا القائِدَ السِياسِيّ، لا يَستندُ في تصوراتِهِ السِياسِيَّةِ، إِلى فَهمٍ سِياسِيٍّ عميقٍ، حتَى يضعَ العراقَ على المسارِ الصحيحِ، وفقاً لفهمِ تركيبتِهِ الدَّاخليَةِ، و منظومَتِهِ الاقليميَّةِ، و علاقاتِهِ الدُّوَليَّة. فكرَّرتْ هذهِ الجَماهيرُ العاطفيَّةِ، و بدونِ وعيٍّ مِنها، مقولَةِ نظامِ صَدَّامٍ المَهزومِ، الّتي نَصُّها (إذا قالَ صَدّامُ قالَ العراق).
و القِسمُ الآخرُ مِن الشَّعبِ العِراقيّ، مَسكونٌ بجنونِ الزَّعامَةِ، و لسانِ حالهِ يقولُ: (أَنا موجودٌ فأَنا أَحكُمْ).
و هناكَ ثُلَّةٌ قليلَةٌ مِن الشَّعبِ العِراقيّ، تَمتازُ بوعيٍّ ناضجٍ، و حِسٍّ وطنيٍّ فاعلٍ، لكنْ لا حولَ و لا قوّةَ لهُم على البَاقِين.
و القِسمُ البَاقي مِن الشَّعبِ العِراقيّ، و هُم الأَكرادُ تحديداً، انغَمسوا فِي مشروعِ قتالِ السُلطةِ، فتربَّتْ أَجيالٌ مِنهُم، يحملونَ عُنصرَ التَمَرُّدِ، و كأَنَّهُ جينٌ وراثيٌّ، يَسري فِي دِمائِهم. و على ضوءِ هذه الصُّورَةِ المُضْطربَةِ، الّتي لا يَجمعُها جامعٌ، ظلّتْ الأَزماتُ السِياسِيَّةِ، تَدورُ فِي فَلكِ الاسترضَاءآتِ الشَّخصيَّةِ، بدلاً مِن الحلولِ الوَطنيَّةِ. و سرعانَ ما يَختلُّ هذا التوازنُ الهَشِّ، بيّنَ الشخصيّاتِ السِياسيَّةِ، فتحتَدِمُ المواجهاتِ، و تَستعِرُ المناكفاتِ، بيّنَ رُعَاةِ الشَّعبِ. و معَ كلِّ ذلك، تَنْأى  الرعيَّةُ بنفسِها عمّا يَجري في البلادِ، لتَغُطَّ في نَوّمٍ عَميق.
و آخرُ أَزمَةٍ و ليّستْ أَخيرَها، يَمرُ بِها العراقُ الآنَ، أَزمَةُ مصادقةِ مجلسِ النُوّابِ على الموازنَةِ العامَّةِ، قبلَ انتهاءِ الدَّورةِ النّيابيَّةِ، في بدايةِ نيسانَ 2014. و يَبدو للعيَانِ أَنَّها أَزمةٌ واحدَةٌ، لكنَّها في حقيقةُ الأَمرِ، أَنَّها حُبلى بأَزماتٍ أُخرى. من أَهمِّها، تدهورُ العلاقَةِ بيّنَ المركزِ و إِقليمِ كردستان. هذهِ الأَزمةُ الّتي يقودُها الاكرادُ، ستظلُّ متجددةً، لا بَصِيصَ أَملٍ في انقضائِها، لأَنَّها مبنيةٌ على مَبدأ (إِكسب و طالب بالمزيد). الأَمرُ الّذي يجعلُها، مشكلةً متجدّدةً على الدوام.
و أَحدُ محاورِ مُشكلَةِ المركزِ معَ الاقليمِ، هي كيفيَّةُ التصرُّفِ بوارداتِ النَّفطِ، الّتي يَنتجُها الإِقليم. و بعدَ أَنْ بثَّتْ فضائيَّةُ العربيَّةِ، تحقيقاً مُتلفَزاً عَن تهريبِ النَّفطِ مِن الاقليمِ، بتاريخِ 10/7/2010. صرَّحَ (في حينها) السيّدُ علي الدّباغ، الّذي كانَ النَّاطقَ الرَّسميّ، باسمِ الحكومةِ العراقيَّةِ آنذاك، واصفاً التَّقرير بقولِه:
(يُمثل وثيقة مهمة ستستفيد منها السلطات العراقية للحد من هذه الظاهرة). إِضافة لذلك فقد ورد في التحقيقِ ذاته أَنَّ: (صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، ذكرت أَنَّ واشنطن قلقة، من تهريب كميات كبيرة، من النفط العراقي إِلى إيران، واتّهم مسؤول أمريكي تحدث إلى الصحيفة، من دون الكشف عن اسمه، السلطات الكردية بكسر الحصار على إيران. و بحسب ما جاء في التحقيق، فإِنَّ مئات الشاحنات، تعبر من قرية بنجوين في كردستان العراق، إِلى إِيران محملة بالوقود، و نسبت إِلى وزير النفط العراقي عبد الكريم العيبي، قوله إن السلطات الكردية، هي التي تتحمل المسؤولية عن التهريب)( موقع فضائية العربية 11/7/2010).
و أَخذتْ حكومَةُ الاقليمِ تَسيرُ قُدُماً، و بخطواتٍ سَريعةٍ، باتّجاهِ توقيعِ  اتفاقيَّاتٍ مع شركاتٍ مختصَّةٍ، في التَّنقيبِ عن النَّفط و انتاجِهِ من أَراضِيها. منها شَركةُ (إكسون موبيل)، و (شيفرون)، و (توتال). و كردستانُ حالياً في المرحلَةِ الأَخيرةِ، مِن مَدِّ خَطِّ أَنابيبٍ مُستقِلٍ، لتصديرِ النَّفطِ إِلى تُركيَا.
و أَعلنَ (آشتي هورامي)، وزيرُ الثَّرواتِ الطَّبيعيَّةِ، فِي حكومَةِ إِقليمِ كردستانَ، حَسبما نقَلَ الموقعُ الرَسميّ لحكومَةِ الإِقليمِ، أَنَّهُ في (حالة امتناع حكومة بغداد، عن تأمين حقوق إِقليم كردستان، الواردة في الدستور الدائم، فاننا سنلجأ إِلى خطة بديلة، تقضي بتصدير نفط الإقليم، و استقطاع مستحقات، تلك الشركات من إِيراداته)(موقع انباء موسكو 26/9/2013).
إِنَّ الإقليمَ يقومُ بعمليَّاتِ تَهريبِ النَّفطِ الخامِ إِلى تُركيَا و إِيران. لكنْ ظَّلَ المسؤولونَ الاكرادُ، يَنفونَ هذه الأَخبارَ، و فِي أَفضلِ الأَحوالِ يعترفونَ، بأَنَّهم يُصدرونَ النَّفطَ إِلى تُركيَا، لغرضِ تكريرهِ في مصافِيها، و إِعادَتِهِ إِلى الإِقليمِ، للاستِفادَةِ مِنهُ، لسَدِّ حاجَةِ الإِقليمِ، مِن البنزينِ و الكازِ و النَّفطِ الأَبيضِ، لأَنَّهم يدَّعونَ، أَنَّ الحِصَّةَ مِن هذه المُنتجاتِ، الّتي خصّصها لهُم المركزُ، لا تَسِدُّ حاجةَ الإِقليم. (ملخصٌّ من تصريح لـ(قاسم مشختي) القياديّ في التَّحالفِ الكُردستَاني، منشورٌ على موقعِ أَنباءِ موسكو 23/10/ 2013).
في 23/10/2013، عبّرَ العِراقُ، عَن عَدَمِ ارتياحِهِ مِن المَوقِفِ التُركيّ، حولَ مَوضوعِ النَّفطِ فِي إِقليمِ كردستانَ، عندما اجتمعَ  السيّدُ حسين الشهرستاني، نائِبَ رئيسِ الوزراءِ لشؤونِ الطَّاقَةِ، و (فولكان بوزكر) رئيس العلاقاتِ الخارجيَّةِ فِي مجلسِ الأُمَّةِ التُركيّ. لكنَّ تُركيَا لَمْ تُغيّر سِياسَتَها في هذا المَوضُوع.
في الحلقةِ الثانيَةِ مِن هذا المقالِ، سأُكملُ الموضوعَ إِنْ شاءَ اللهُ تعَالى. و سَأَتَناولُ مَوقِفَ السيَّدِ رئيسِ إِقليمِ كردستانَ، و سِياسَتهِ إِزاءَ الحكومَةِ المركزيَّة. كما ساستعرضُ تأثيرَ الإِدارةِ الأَمريكيَّةِ، على حكومَةِ كردستانَ، و دورِها في تغييرِ المواقِفِ السِياسيَّةِ لإِدارَةِ إِقليمِ كردستَان.     
كاتِبٌ وَ بَاحِثٌ عِرَاقي
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات