23 ديسمبر، 2024 3:08 م

إيماءة الحل  في زمان الإفلاس و الجيفة  والزبالة..

إيماءة الحل  في زمان الإفلاس و الجيفة  والزبالة..

كل من ينظر إلى واقع المجتمع العراقي في هذا الزمان  فأن رأسه يدور، يساراً ويميناً ، من كثرة المشاكل الاجتماعية والمالية والاقتصادية .  الليل العراقي بات  في نحيبٍ دائمٍ،  والنهار  يزمجر من البلوى والرزايا . ما أكثر الاشياء الصعبة ،التي تواجهها الدولة العراقية  الولهانة  بعشق المصائب، بشيءٍ كثيرٍ من الحيرة والارتباك، بينما المواطنون  في حالات نفسية صعبة  من القلق والتوتر والرعب والعنف والافلاس والجيفة والزبالة.

كل شيء في بلادنا يمشي بلا معرفية إدارية وبلا منهجية تكنولوجية حتى غرقت اخيراً مساكن المواطنين بمياه المطر والصرف الصحي لأن التاريخ العراقي أصبح لا يملك ثروة مالية ولا ثروة بشرية مؤهلة للتنمية والتقدم بالبلاد إلى أمام .

لكن الحق يجب ان يقال بأن (التنمية الوحيدة) و(التقدم الوحيد) الجاريين  في بلادنا هما (تنمية السجون) و(تكاثر السجناء) في قاعاتها وساحاتها . واجبي اليوم التحدث عن السجناء العراقيين ،كلهم . لا استثني أحداً منهم غير السجناء القتلة الارهابيين ،الذين عاثوا في بلادنا تحت سمع وبصر شمس النهار وقمر الليل ،  وهم يمسدون رشاشاتهم ومفخخاتهم بمستوىً من الراحة الذهبية.

قلّ عدد الشباب العراقي في سوق العمل، يوماً بعد آخر.  تناقص عددهم بسبب دخول الآلاف منهم الى السجون العراقية بدعاوى النصب ،والاحتيال، والتزوير، والرشاوى، والسرقة، وما تحفل به عبقرية الفاسدين بتجارة (الخشخاش) ومنتجاته السوداء  المنقولة في أهاب الليل المظلم أو بين نهود نسائية سمراء أو بيضاء .  صارت بلادنا  تئن من انواع متجددة من الجرائم العادية و صار السجناء يتقاضون أعلى اجر يومي في العالم العربي..!

خلاصة القول أن التنمية المشرقة الوحيدة في بلادنا هي (تنمية السجون) وبناها التحتية.  كما ازداد ونما عدد السجناء ،أيضاً، يقابله العرفان والبيان بمزيد من الصرف على السجون والسجناء بكثير من عقلانية الدولارات ، بينما كل المسئولين بالوزارات والمحافظات وفي امانة العاصمة يشتكون من نقص الأموال والعمال والأحوال.

قطارنا لا محرّك له، بل تشابكت السكك الحديد وتقاطعت فأصيبت بالدوار وفقد مراقبو قطار الدولة بصيرتهم وأُتلف بصرهم حتى باتوا لا يعرفون كيف يصلحون ما افسده الدهر العراقي الجديد  بسبب ازمة  الاوضاع والظروف المالية المتدهورة، التي دفعت مائة ألف إنسان عراقي شريف إلى الهجرة الأوربية .

عام 1980 قدّم صدام حسين  ادّعاءً بخطة إنشاء (قطار المترو) في بغداد العاصمة، لكن كل كلامه ذهب هباء. تكرر نفس الادعاء على لسان امين العاصمة المدعو صابر العيساوي فكانت خاتمة كلامه معروفة بالبطلان ومنكرة بموجةٍ من السخط على امانته ،كلها ،بما في ذلك السخط على خليفته  (دون جوان العاصمة)  نعيم عبعوب.

في عام 1980، أيضاً، جاءت شركة كورية جنوبية إلى بغداد في مقاولة عمل لتشييد  جسر فوق شارع بين المنصور والغزالية ،كان عمالها من السجناء الكوريين  العاديين اعتبرتهم حكومتهم (متطوعين) وفق مبدأ ( كل يوم عمل يقابله انقاص يوم من أيام السجن) وهو شكل مطبق كقاعدة  في المملكة الهولندية  حيث  يعمل (المعاقبون) عمالاً للتنظيف  في البلديات تعويضا عن أيام  السجن.

 في عام 1890 مرّت روسيا   بأقصى ضائقة مالية   في تاريخها القديم في وقت   كانت بحاجة ماسة لبناء سكة حديد طويلة تمتد الى سيبيريا لنقل البضائع و المُسافرين، لكنها لم تكن تمتلك المال الكافي لإتمام المُهمة.

فكّرتْ الحكومة القيصرية و خططتْ حتى توصلتْ إلى حلٍ نموذجي لبناء سكة حديد تمتد إلى سيبيريا بدون أن تُكلف الدولة الروسية ( نصف دولار..!) فقررتْ الاستعانة بـ(السجناء) لترسلهم للعمل بدلاً من العمال، و المقابل هو (تقليل يومين من مدة عقوبتهم لكل يوم عمل) مما شجع السجناء على العمل بوتيرة عالية، لأن عقوبتهم ستنخفض نسبياً،  في (نزهة عمل)  بدلاً من قضاء وقتهم في عتمة السجن الموحشة. تمّ الانتهاء من إنشاء أطول سكة حديد في العالم يبلغ طولها أكثر من تسعة آلاف  كيلو متر. قفز الاقتصاد الروسي، آنذاك، لأعلى المراتب، حيث ازداد حجم التبادل السلعي بين أجزاء روسيا المتباعدة بشكل غير مسبوق دون أن تصرف الحكومة الروسية نصف دولار.. !

حبذا لو تفكر حكومتنا العراقية بـ(المزاوجة) بين (السجناء) و(خطط الدولة) واستخدام قبضاتهم في (رفع الزبالة) و(تنظيف المجاري) وغير ذلك من اعمال (التعمير والبناء)   على اعتبار أن هذا (الابداع)   وسيلة نهضة جديدة في بلاد الرافدين، من دون الحاجة إلى صدور قانون عفو عن السجناء ومن دون كلف مالية إضافية في زمان التقشف الصاعد على سلّم الرواتب الجديد.