الآن فات الوقت ليقدم أحدهم النصيحة لملالي طهران، كما أني أشك كثيراً أن الملالي سيستمعون للنصيحة، ذلك أنهم كثيرو الشكوك والشبهات، سيدققون في هوية المتقدم بالنصيحة، في حين أن الهوية لا تعني شيئاً، بل فحوى النصيحة … تأمل فيها وفكر … وبالفعل أني ناصح مخلص، ليس للملالي، بل لتجنب أن تهدر دماء كثيرة بدون سبب حقيقي، ثم تذيع هباء منثوراً …
الملالي لديهم مشروع توسعي … وهذا أمر غير جيد، ليس لأن الأمر يخص أراضينا فحسب، بل أن كل توسع هو أمر غير محمود، ومجازفة محفوفة بالمخاطر غير مضمونة العواقب ولا سيما … لا سيما أكرر حتى إذا كان ذلك ضمن أجندة قوى عظمى (شيطانية / أستعير هذا المصطلح من الملالي) . وأمامكم محاولات توسع قامت بها قوى عظمى بدافع التحضر والديمقراطية وحقوق الإنسان (وهي شعارات جذابة)، وحتى بدافع الدين والتبشير وهب أمامنا كثيرة محاولات فشلت جميعها بشكل ذريع.
إيران لا تمتلك من وسائل التوسع شيئاً، هم يعلمون ذلك وربما يعترفون به كليا أو جزئياً، أقصد وسائل سياسية / اقتصادية / حضارية / ثقافية لا شيئ سوى نظرية مشكوك كثيرا في صحتها (الولي الفقيه) قائمة على افتراضات غيبية ليس لها أي أساس موضوعي، لذا فهي حرق للحاضر والمستقبل، من أجل وعد غيبي مشكوك في صحته، حتى وفق المناهج الدينية الشرعية. ثم لنضيف شيئاً هو واقع لا يمكن تجاهله، أن النظام الديني نظام يعلن عن هويته كنظام ديني لاهوتي، ليس كإسلامي بل كطائفي أيضاَ … ومن الغريب أن نظاماً يريد التوسع يضع نفسه بنفسه في قمقم ضيق جداً، فليس كل الشعب الإيراني مسلم، ثم أن للثقافة غير الاسلامية حضور قوي وتاريخي في بلاد فارس (الزرادشتية والمجوسية)، ثم أن ليس جميع المسلمين إثناعشرية، وفوق ذلك كثير جداً من هؤلاء لا يؤمنون بالمشروع الديني. حسنا لنفترضأننا جميعاً مسلمون إثنا عشرية، ولكن هذا لا يعني أن نسمح لكائن من كان أن يتدخل في مفردات حياتنا السياسية والشخصية وحتى العائلية الحساسة منها، والمسألة في العام والتفضيل، مبدأ التدخل مرفوض.
وهكذا نجد أن النظام الإيراني وضع نفسه بيده في قنينة صغيرة في مناطقه : بلاد فارس / إيران، فإذا به يسعى للتوسع وبأستخدام المؤامرات والتعاون مع قوى دولية في دول وشعوب لا تمت له بصلة، ولا يملك من أسباب التوسع السياسية / الاقتصادية / العسكرية، سوى الميليشيات والتفخيخ والتفجير والاغتيال، والمؤامرات، وبث الأوهام والخرافات، يصدقها من يصدق، ثم أن هناك من يحب الأوهام، لأن حظه كان ضئيلا جدا في الحقائق والوقائع … ومنذ 42 عاماً هذا المشروع يلاقي الفشل حتى بأستخدام القوة المسلحة والاستعانة بالأجنبي …
خلال الحرب العراقية / الإيرانية، كان النظام يستخدم بدعة / حيلة المفاتيح، كخدعة تبشر أشقياء الأرض بجنة موعودة، فأشتغل الحدادون والتنكجية وصنعوا الملايين منها، ولما أيقن الإيرانيون تماماً أن هذه المفاتيح هي ليست سوى مفتاح للقبر، اليوم أقلعت الدعاية الإيرانية عنها وصنعوا مفاتيح جديدة في اليمن، لمن لم تصله أنباء الفنون الإيرانية. الفارسي لا أن يخلط ما يريد بالوهم … لماذا ..؟
أولا، لأن ما يريده من الواقع صعب التحقيق والمنال، فليخلطه بخلطة من الأوهام والخزعبلات، تتدخل فيها حتى الأغاني وطريقة الاستعراض والتخضب بالدماء .. بطريقة تنبأك أنك امام خلطة عجيبة مدهشة مهمتها إيصال العقل لدرجة الغيبوبة التامة فأي قدر من النور والهواء قد يفسد الطبخة …الهدف هو أن لا يفكر الناس، والأدق المجندون للمهام التوسعية. فقد شاهدت مراسم عزاء رفسنجاني .. (الرابط أسفل المقال) يختلط فيه الوهم بالتخيل لدرجة الجنون، والكوميديا اللامعقولة في مشهد خارج الزمان والمكان …. هل هذه وسائل توسع .. أم هي دعوة للموت الجماعي ..؟
في السبعينات نهض أمريكي مخرف، له سلطة الإقناع أستطاع أن يجمع عدد كبير (بالمئات) وأخذهم لمنطقة نائية، وأمرهم بالانتحار بتناول السم وهو معهم … وحين تدخلت الشرطة الأمريكية كان الوقت قد فات لإنقاذ الموقف، وحين حضرت الشرطة لم تجد سوى مئات الجثث(913 جثة). (1)
أسوء ما في الأمر، هو إصدار الأوامر للعقل بفعل ممارسات غير عقلانية. ولا يصلح أي نظام ما لم يكن مقروناً بالعقل بما في ذلك نظام الاعتقادات الإلهية. لاحظ هنا ما كتبه الغزالي، أبو حامد مع أنه يعتبر من الفلاسفة المحافظين:
” أعلم أن العقل لن يهتدي إلا بالشرع، والشرع لم يتبين إلا بالعقل، فالعقل كأساس والشرع كالبناء، ولن يغني أساس ما لم يكن له بناء، ولن يثبت بناء ما لم يكن له أساس، والعقل كالبصر، والشرع كالشعاع، ولم يغني البصر ما لم يكن شعاع من الخارج، ولن يغني الشعاع ما لم يكن بصر. قال الله تعالى ” قد جاءكم من الله نور وكتاب يهدي به الله من أتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه.
فالعقل كالسراج، والشرع كالزيت الذي يمده، فما لم يكن زيت لم يحصل السراج، وما لم يكن سراج لم يضيئ الزيت. فالشرع عقل من الخارج، والعقل شرع من الداخل وهما متعاضدان بل متحدان “. (2)
فالتعاليم المبنية على خرافات مطلقة تكون هشة. نعم أنها تصنع جنودا معصوبي البصر والبصيرة، ولكن المشكلة تبدأ حين يتسلل الضوء ليقتحم الظلام، فأي مقدار من الوعي تغير الموقف الاجتماعي والسياسي، وقبله النظام الأعتقادي. وقد حضرت شخصياً انهيار النظام العقائدي الهش لشاب درب لسنوات طويلة في مؤسسات قم بإيران، أنهار حين أكتشف أن السيقان التي يقف عليها خشبية، والرجل كان مخلصا لوعيه وعقله لذلك تحول موقفه بصورة جذرية حين لمس الاباطيل والأوهام التي لا تصنع شيئا في الدنيا … فما يمكن أن تفعل في الآخرة ..!
بتقديري أن دهاقنة إيران يعلمون علم اليقين أنهم مغادرون للعراق، ولهذا فهم يدمرون ويحرقون وينهبون ما استطاعوا لذلك سبيلاً، ولا تأخذهم حشمة بأذنابهم، ولا بما يزعمون أبناء الملة .. بل هم يحتقرون عملائهم وأذنابهم .. ولكن ثقوا أعزائي القراء أن لكل شيئ نهاية، وما يحدث هو خطأ والخطأ لا يستقيم ولا يدوم ..لاشيئ في الدنميا عرضة للتبديل كالسياسة، وأقراوا كتب التاريخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. جونز تاون: أو مدينة جونز هو الاسم العامي لمشروع معبد الشعوب الزراعية ، مجموعة دولية كانت في الشمال الغربي لـ غيانا تكونت بواسطة طائفة دينية من الأمريكين من أعضاء المعبد بقيادة جيم جونز. أصبحت تلك المجموعة سيئة السمعة عالمياً في 18 / تشرين الأول / 1978 إثر وفاة 913 شخص في المستعمرة من بينهم قتل أكثر من 200 طفل جميعهم من جراء التسمم بمادة السيانيد، بالإضافة إلى قتل خمس أشخاص آخرين بالقرب من مدرج هبوط للطائرات بجورج تاون عاصمة غيانا. اسم المستعمرة أصبح مرادف للأحداث التي حدثت في ذلك الموقع.
2. الغزالي، أبو حامد: معارج القدس في مدارج معرفة النفس، ص63 بغداد / 1990
رابط : تأبين رفسنجاني نموذج ثقافي بائس :