23 ديسمبر، 2024 2:19 ص

إيران ضد الإصلاح.. إيران مع الإصلاح..!!

إيران ضد الإصلاح.. إيران مع الإصلاح..!!

عندما كان الصدر يعتصم أمام أبواب الخضراء كانت إيران تَصفِق كفاً بكف تبحث عن مخرج للمُعضلة، فقد حدّثني أحد الفضلاء أنّه أجرى حواراً مع وفدٍ إيراني جاء سرّاً إلى بغداد وكان يُحاول التواصل مع كل الأطراف العراقيّة علّها تستطيع كبح جماح ثورة الإصلاح.
حتى أنها لجأت للتهديد والوعيد عبر بعض ذيولها في العملية السياسيّة، بل إن بعض فصائل الحشد ـ المعروفة التوجّه أعلنت أنها لن تسكت وستحمي الخضراء..! ـ وهذا معناه أن إيران لو لم يوقف الصدر اعتصامه لسحقت المعتصمين السلميين عند بوابات الخضراء ـ وهي صرّحت بذلك علناً ـ فقد أعلنت على قناة الميادين عن عزمها على إرسال قوّات خاصّة وقناصين، فلماذا كان هذا الإعلان وفي تلك الأيام..؟!
ولا أحد يقول أنها كانت تريد إرسالهم للقتال ضد داعش، فالحرب مع داعش مستمرة منذ 2014م ولا وجود لمقاتل إيراني واحد على الأرض، ورُغم صعوبة الوضع في بداية المعركة، فلماذا أعلنت إيران هذا الخبر وجيش العراق الباسل يستعيد الرمادي بسواعد رجاله، ومقاومته ـ أبطال سرايا السلام ـ يستعيدون جزيرة سامراء، وداعش يتقهقر يوم بعد يوم ويلعق جراح هزيمته..؟!!
وبصراحة نقول إن نجاح مشروع الإصلاح بقيادة الصدر معناه أن إيران ستخسر مواقع نفوذها في العراق، ليس لأن الصدر يحمل حقداً على إيران ـ وحاشاه من ذلك ـ فالشعب الإيراني هو شعب مسلم تربطنا به العديد من القواسم المُشتركة، والصدر يُدرك هذا الأمر وقد أشار إليه باللقاء الذي أجراه معه الإعلامي غسان بن جدو يوم كان يعمل بقناة الجزيرة، حين قال: لدينا امتداد عقائدي واجتماعي مع إيران لكننا نرفض أن نكون امتداداً سياسياً أو عسكرياً لها.
فما الذي كانت تخشاه إيران من نجاح السيد الصدر في مشروعه الإصلاحي الذي سعى إليه..؟!
الجواب بسيط جداً.. وهو أن السيد الصدر يتعامل مع قضايا العراق من منطلقات وطنية، وهو أكد ذلك بالشعار الذي رفعه على منصّة الخطابة في ساحة التحرير (حُب الوطن من الإيمان) بينما الآخرون جميعاً يعملون على تحقيق مصالح الجيران على حساب الوطن والمواطن العراقي، لذلك بقيت الصناعة مُعطلة، حتى أن وزير الصناعة محمد صاحب الدراجي قال: {إن معمل الحديد والصلب في البصرة لا يوجد ما يُعطله سوى ضغوط إقليميّة} ولا أعتقد أن السعودية أو قطر أوغيرهما من دول الخليج يمتلكون الآليات التي تمكنهم من الضغط باتجاه تعطيل أكبر معمل للحديد والصلب في الشرق الأوسط..!!
وهكذا في باقي القطّاعات كالطاقة والزراعة، وحتى القطّاع الأمني والعسكري، فإيران أوجدت بديلاً عنهما بمجموعة من الفصائل العسكرية الموالية لها..!!
لذلك وقفت إيران بوجه الثورة الإصلاحية بقيادة السيد الصدر، ولما رأت أن الشعب العراقي عازم على قرار الإصلاح ولن يثنيه شيء عنه ها هي تُحرّك بعض ذيولها للقيام بعملية الإصلاح وفق المقاييس الإيرانيّة، فأنا شخصياً لن ولا أصدّق أن كُتلة دولة القانون التي يعتصم نوابها اليوم مع باقي الكتل المُعتصمة في البرلمان هي جادّة في الإصلاح، لأن من أهم أهداف الإصلاح هو محاكمة الفاسدين الذين أهدروا ثروات البلاد، وضيّعوا ثلث أراضيها بتسليمها لتنظيم داعش الإرهابي، وهنا ستبرز مشكلة كبيرة..
وهي المائتي مليار دولار التي نقلت إلى طهران جوّاً في صبيحة سقوط الموصل بدعوى الحفاظ عليها فيما لو سقطت بغداد بيد التنظيم، فنحن أمام سرقة كبيرة لا يوجد شبيهها في التأريخ، كما أنها ليست مثبّتة بوثائق تسليم واستلام للمطالبة بإرجاعها، فالعملية أجريت بصورة سريّة تامّة بحيث أن الإعلام عندما تحدث عنها لم يستطع أن يأتي ولو بصورة جامدة لها، وإذا كانت إيران قد رفضت إرجاع أسطول الطائرات المدنية والعسكرية التي أمّنها صدام عندها قبيل حرب الخليج الثانية رُغم أن العملية جرت أمام أنظار العالم، إلا إنها وفي الحرب على داعش قدمت نفسها كمنقذ لشيعة العراق فأرسلت بعض هذه الطائرات على غرار المثل الشعبي القائل: (من لحم ثورة وأطعمه)..!!
أقول: كيف سترجع إيران تلك المليارات والصفقة تمّت بسريّة تامّة، والسؤال الأكثر إلحاحاً هو: كيف ستسمح إيران بمحاكمة من سلمهم مليارات الشعب العراقي..؟!!
لذلك هي دخلت على خط ثورة الإصلاح لتبقيها تحت السيطرة، ولتضع لها المقاييس التي ستحرص كل الحرص على عدم تجاوزها من قبل أي حكومة قادمة.
لكن مهما فعلوا فإن يد الله هي العليا، وإن إرادته هي ما سيتحقق في النتيجة {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الأنفال30.