23 ديسمبر، 2024 7:52 ص

حينما كنا نقول إن العراق مستعمرة إيرانية، وإن الذين تسلطوا على حكمه إيرانيون بوجوه عراقية كانت جيوشٌمُجيشة من متعصبين للسيد الإيراني تمطرنا بسيولٍ من كلامها البذيء، وتُنكر وتنفي وتقول إنْ هي إلا ادعاءاتٌ مغرضة كاذبة، وإن العلاقة بينهم وبين إيران مثلُ علاقتهم بغيرها من دول الجوار. أما ضباط الحرس الثوري وجواسيس المخابرات الإيرانية المتناثرون في الوزارات والمؤسسات والأسواق والمدارس والحسينيات فهم ضيوف طلبتهم حكومة الدولة العراقية للعمل مستشارين، فقط لا غير، لإعانة الشعب العراقي على مواجهة الإرهاب والإرهابيين.  

حتى جاءت العقوبات الأمريكية الجديدة لتكشف لنا معادن قادة أحزاب المنطقة الخضراء، ولتنزع عن وجوهمم الأقنعة المستعارة الكاذبة، وتؤكد الحقيقة المرة التي ظلوا ينكرونها منذ سنين وسنين.

فقد اعترفوا، ببياناتٍ رسمية علنية وتصريحات وتعليقات، بأنهم طوابير خامسة إيرانية وظيفتُها إفقار العراقيين وإثراء الإيرانيين، وتخريبُ كل شيء هنا وتعمير كل شيء هناك، وإمراض الملايين هنا وإشفاءُ الملايين هناك، والمزيد من التفريق هنا والمزيد من التوحيد هناك، وأكدوا إيمانهم،بقوة وثبات، بأن وطن أهلهم العراقيين كان، وظل، ولابد أن يبقى مزرعة ملحقة بأملاك الأمة الفارسية، وأن من واجب حكامها ومواطنيها، كافة، أن يُلقوا زرعها وضرعها تحت أقدام السيد الإيراني، وقت الحاجة، وأن يُعينوه على أعدائه وقت الخصام. وبالروح والدم نفديك يا إمام.

وتعليقا على ما فعلته العقوبات الأمريكية مؤخرا في العراقلابد من القول هنا إن من الصعب على أي أحدٍ منا أن يأخذ مأخذ الجد تصريح حيدر العبادي الذي أعلن فيه أن “العراق ملتزم بالعقوبات الأميركية على إيران، حرصا على المصالح العراقية”، وذلك لأنه يعرف أكثر من غيره بأن التنفيذ الكامل والحازم لأحكام هذه العقوبات من الجانب العراقي مستحيل، بل من رابع المستحيلات، وذلك لطول الحدود المشتركة، أولا، وثانيا لشطارة حبايب إيران ووكلائه في مهنة التهريب والتزوير والاحتيال، ولصعوبة رصد المخالفات المتوقعة، حتى لو وَضعت أمريكا على كل متر من حدود العراق مع إيران رقيبا، أو لو بنت جدارا مانعا كجدارها مع المكسيك.

ولكن، ورغم معرفة أحزاب المعسكر الإيراني بعجز حيدر العبادي عن وضع تعهداته موضع التنفيذ، وبرغم ثقتها بأنه الصديق الوفي الذي لن يتخلف عن نجدة شقيقه الإيراني وقت الضيق، فقد هبّت، جميعا، من رقدتها، من كبيرها إلى صغيرها، لتشتمه وتسخر منه، ولتذكره بأنه ما كان ليجلس على كرسيه المذهب لولا بركات سيده ومولاه.

ولم يكن هذا ما فعلته أحزاب السلطة ومليشياتها وحسب، بل إن وزارة خارجية الحكومة التي تعهد رئيسها باحترام العقوبات الأمريكية خرجت عن صمتها وأصدرت بياناً أكدتفيه أن “العراق يرفض مبدأ الحصار على أية دولة”. وأنه “يستحضر مواقف الجارة ايران المشرفة في الوقوف الى جانبه في الازمات“. وأنها “في الوقت الذي تُشيد فيه بموقف الجمهورية الاسلامية مع العراق في مواجهته ضد الإرهاب، ودعمها له، فإنها تدعو المجتمع الدولي الى الضغط من أجل ثني الادارة الامريكية عن الاستمرار بهذه العقوبات“.

ثم توالت بعد بيان ابراهيم الجعفري بيانات المجاهدين الآخرين التي تشتم أمريكا ورئيسها وأهلها، بشمم وشجاعة وإقدام، وترفض عقوباتها الظالمة، وتعد بعدم احترامها، وليكن ما يكون. أما ما سوف يترتب على ذلك من خسائر وأضرار لابد أن يلحقها الأمريكيون بمصالح الشعب العراقي ففداءٌ لشعرة من رأس سيدنا ومولانا الإمام.

فقد دعا رئيس كتلة (الصادقون) القيادي في تحالف الفتح، حسن سالم، حكومة العراق إلى رد الجميل لإيران، وطالبها بالابتعاد عن الغزل مع من كان سببا في تدمير العراق.

ثم التقى نوري المالكي بالسفير الإيراني ايرج مسجدي وبحث معه مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وطالب الحكومة العراقية بأن لا تكون جزءاً من سياسة التجويع التي فرضتها أمريكا على إيران. ودعا الحكومات في العالم والمنظمات الانسانية الى وقف تلك الإجراءات العقابية ضد الشعب الايراني الصديق، وسرعة التحرك لمعالجة الانتهاكات وما يترتب على ذلك من وضع انساني وحقوقي مأساوي”.

كما أعلن حزب دعاة الإسلام أن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة الأميركية ورئيسُها ترمب من فرض عقوبات أحادية على إيران يُعد انتهاكاً لكل القيم الإنسانية والأعراف الدولية، داعيا الدول الإسلامية إلى رفض العقوبات، والعمل على توسيع العلاقات بين الدول لمواجهة هذه الغطرسة السياسية والاقتصادية.

ولم يتأخر رئيس المجلس الأعلى الإسلامي همام حمودي عن أدار فريضة الجهاد المقدس دفاعا عن سيده ومولاه، فقال إن حماقات الرئيس الامريكي دونالد ترامب طوال فترة حكمه فتحت جبهات خلافية كثيرة، وخلقت مشاكل عميقة حتى مع حلفائه”، وإن “فرض الحصار على إيران هو جزء من مخططات كبرى لإثارة الفوضى في المنطقة وابتزاز ثرواتها”، وعلى الحكومة العراقية أن لا تدخل طرفا في عقوبات ليست رسمية، وتُدخلنا بمعركة نخدم بها الكيان الاسرائيلي الظالم”.

ثم أعلنت كتائب سيد الشهداء أن العمل جارٍ لكسر الحصار المفروض على إيران. وانتقدت موقف رئيس الوزراء ووصفته بأنه مُحبِط، وخذلان إزاء ما قدمته إيران للعراق. وقالت، “لولا إيران لما كان العبادي في سدة الحكم”.

وأخبرت منظمة بدر رئيسَ الوزراء حيدر العبادي بأن بيانه بشأن العقوبات لن يُلزم الحكومة العراقية المقبلة التي ألمحت إلى أن رئيسها لن يكون سوى قائدها القوي الصادق الأمين.

فهل هناك، بعد هذا كله، من سيعترض علينا بعد اليوم، ويتهمنا بالتجني على الشقيقة العزيزة إيران، وعلى حبايب الولي الفقيه، إذا ما قلنا إن عراقنا لم يعد عراقنا، وإن العمالة أصبحت علنية، وعلى المكشوف؟؟