لدينا ثلاثة أدلة ( على الأقل ) تؤكد بان العراق يعيش انتعاشا في إيراداته خلال عام 2022 ، أولها تصريح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء بان إيرادات العراق من النفط للعام الحالي ستبلغ أكثر من 150 مليار دولار ، وثانيها تصريح وزير المالية لوكالات الأنباء بأن وضعنا المالي جيد جداً باعتراف صندوق النقد والبنك الدوليين ، وثالثها القرار الذي اتخذته اوبك بزيادة حصة إنتاج النفط للعراق اعتبارا من بداية حزيران القادم لتبلغ 4,509 مليون برميل يوميا ، وإذا أضفنا عوامل أخرى منها الانتهاء من تسديد ديون الكويت التي تبلغ أكثر من أربعة مليارات دولار سنويا ، وإمكانية التفاوض مع الاقليم لتسوية موضوع تسديد إيرادات المنافذ وغيرها وإيرادات تصدير النفط البالغة 250 ألف برميل يوميا استنادا لما ورد في قانون موازنة 2021 ، ومع الأخذ بنظر الاعتبار الإيرادات التي تحققها الحكومة الاتحادية من الرسوم والضرائب والكمارك والخدمات وغيرها والتي يفترض أن تتجاوز 15 مليار ، فإننا نستطيع القول بان إيراداتنا لهذا العام عال العال ، وبما يجعلنا لا نواجه أية ضائقة مالية في تغطية النفقات الجارية والاستثمارية فيما لو تم إعداد الموازنة الاتحادية التي تتضاءل آمال تشريعها يوم بعد يوم ، كما انه سيكون من اليسر تسديد الديون المستحقة وخدمة الديون غير المستحقة من خلال دفع أقيامها او فوائدها دون تأخير .
ومن حق المواطن أن يسأل ، إذا كانت الدولة بهذا الوضع المالي الذي يضعها في التسلسل الرابع عربيا ( بعد السعودية وقطر والإمارات ) من حيث الناتج المحلي الإجمالي ومعدل النمو السنوي ، فلماذا يزداد عدد الفقراء بحيث إننا نضطر سنويا لزيادة عدد المشمولين بالحماية الاجتماعية ليبلغ عددهم بالملايين ، ولماذا تبذل الحكومة جهودا غير معتادة لتوفير مفردات الحصة التموينية ، لتكون بمكرمات توزع في رمضان وفي المناسبات وحين تحصل التجارة على تخصيصاتها من المالية بعد جهد جهيد ، وهناك من يتساءل أيضا عن أسباب تأخير دفع استحقاقات الفلاحين منذ سنوات ورواتب الموظفين لا تدفع بمواعيد ثابتة ومعروفة قط ، والبعض يسال أيضا عن مصير الأموال التي تدخل خزينة الدولة في ظل غياب الحسابات الختامية منذ سنوات ، وما هي أسرار عدم استثمار هذه الأموال لتطوير الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات لتنويع مصادر الدخل ولتقليل الاستيراد لتامين الأمن الغذائي ومستقبل الأجيال لكي نخرج من أزمات التذبذب في أسعار النفط بتنوع الإيرادات ، إنها المئات والمئات من الأسئلة تطرح إزاء ذات الموضوع ليس في هذه السنة حصرا ولكن منذ سنوات ، ورغم فصاحة الإجابات وشماعة الأعذار وغزارة الوعود و الأمنيات ، فان الحال باق ولم يتقدم خطوات بل يحصل العكس بفتح باب الاستيراد دون قيود وضرائب ورسوم للعجز في توفير قوة الشعب بعدما أسقطنا المنتج المحلي بضربات قاضية ومنها تغيير سعر صرف الدولار ، ولا نعتقد إن ما يتمناه الكثير سيتحقق في مجال شد الأحزمة على البطون والتوزيع العادل للثروات ، وبذلك سيبقى المثل الدارج ( صيت الغنى ولا صيت الفكر ) ينطبق على حالنا لأجل غير معلوم .