18 ديسمبر، 2024 5:54 م

إياكم و ثورة الجياع!

إياكم و ثورة الجياع!

لا يكاد يمر يوما إلا ويظهر علينا مسؤولاً عربيا في التموين أو التجارة والزراعة وآخر في المالية وخامسا ناطقا بإسم الحكومة الرشيدة في أغلب الأنظمة العربية الا ويدعو الى التقشف وأخذ الحيطة والحذر من وقوع مجاعة مرتقبة فضلا عن ارهاق الفقير بالرسوم المختلفة وضريبة الدخل المضافة خصوصا بعد أن ضربت العالم جائحة كورونا وما تبعه من كساد يتحمله المواطن حصرا دون أن تمس كبار طبقة التجار والمسؤولون أذى، وما أن بدأ انحسارها ولا ندري أحقا أهي كذلك أم أن قواعد اللعب بين الكبار قد إختلفت بعد بروز كارثة هي أشد فتكا تتمثل بإجتياح روسيا لدولة أوكارنيا وما تكشفت عنه من حقائق وهشاشة تحالف النيتو وعدم وجود رؤيا أمريكية أوربية بالحد من اطماع الدب الروسي وإيقاف زحفه سوى فرض العقوبات الاقتصادية والتي انعكست ارتداداتها سلبا على اقتصاديات العالم بأسره، وما نتج عنها من كشف لخبايا المختبرات البيولوجية والجرثومية حيث سارعت أمريكا في إخفائها متملقةً بوتين بالتكتم عنها مقابل تنازلات ستطيل امد تلك الحرب التي لا يعلم الا الله والراسخون في المكر أين ستنتهي بالعالم!

وما يدعو للدهشة والاستغراب أن أغلب الأنظمة العربية قد إتخذت موقف المتفرج منها، وهي في حيرة من أمرها أين توجه بوصلتها فمكر الحلفاء وجانبهم لايؤتمن، وهي فرحة فرحا زائفا ومؤقتا بزيادة وارداتها من جراء انتاج وتصدير النفط الذي وصلت أسعاره لأرقام قياسية، لكنها للأسف تعمل عمدا أو جهلا في زيادة معاناة شعوبها وخاصة الدول النفطية منها.
فمع تدفق المليارات المهولة التي دخلت الميزانية فترى تلك الأنظمة قد اهملت قطاعات مهمة بديلة كالصناعة والزراعة واستصلاح الأراضي والاستثمار بكل انواعه وتطوير السياحة وركزت على الجانب النفطي فقط ومنذ اكتشاف النفط الذي جلب الرزق ومعه اللعنة والحروب، ويا ليتها أتقنته بكل جوانبه من تكرير وتصفية والصناعات النفطية بل ركزت فقط على الانتاج والتصدير والتي تتولاه غالبا كبريات الشركات العالمية ويتمثل دور تلك الحكومات بجني العائدات التي تضاعفت بالمليارات دون أن يكون هنالك أي مردود ايجابي انعكس على دخل المواطن لمجابهة التضخم والغلاء الفاحش الذي طال كل نواحي الحياة ولا تطوير البنى التحتية، فهل يعقل أن رواتب موظفي الدولة ومتقاعديها بقيت تراوح مكانها منذ ان كان سعر النفط عشرة دولارات للبرميل الواحد حتى قفز الى 100 دولار او يزيد مع كل أزمة عالمية، دون ان تفكر الحكومات بوضع خطط و جداول لسلم الرواتب يتماشى مع كل ارتفاع او انخفاض عدا زيادات طفيفة و بمكرمة و بمنّة، بما يوفر الحد الادنى لشعوبهم وتجنيبهم المجاعة التي يلوحون بها منذرين شعوبهم مع كل كارثة دون ان يكون لهم دور وطني مسؤول !
أين ذهبت يا أصحاب السعادة والفخامة والجلالة هذه الزيادات الضخمة والأموال ؟
وهل تتابعون بمسؤولية وحس وطني مع أفراد حكوماتكم ومستشاريكم وبطانتكم حركة الاموال في الداخل والخارج؟
أم أنكم في برجكم العاجي وتوقعون على الميزانية والكشوفات على البياض بثقة عمياء!
فلا أنتم نهضتم بمستوى الدخل القومي للفرد العربي، ولا طورتم من البنى التحتية ، ولا حتى تمكنتم من النهوض بالواقع الزراعي ولا الصناعي ولا التعليمي ولا الصحي ،بل اغدقتم المليارات لبناء خطوط حماية لأنظمتكم فقط تحت مسميات بناء جيش سورٌ للوطن ومع كل حرب خارجية وفتنة داخلية إما أن تهرب هذه الجيوش أو توجه فوهات مدافعها ضد الشعب!!
وعندما يمرض أحدكم فهو لا يثق تماما بمشافي بلده القذره ولا اجهزتها المتهرئة ولا اطباءه الذينرهجر اغلبهم البلاد من سوء المعاملة والتخطيط، فترى ذلك المسؤول يستقل طائرته الخاصة حتى ولو مع ابسط الفحوصات السريرية تاركا شعبه في حالة معاشية و صحية مزرية دون ان يأنبه ضميره!
والادهى من ذلك يتباهون في الاعلام ان سيادته وسعادته قد غادر البلاد للعلاج لتتغنى جوقته في الاعلام الزائف المنافق بمغادرته وبالتطبيل مشافى بعودته بالسلام، وتملأ الشوارع صوره مبتسما وملوحا وكأنه قد حرر بيت المقدس!
هل استطاع اي نظام عربي الوصول لحالة الاكتفاء الذاتي في الزارعة وخاصة الحبوب وتربية الابقار والدواجن ومنتجاتها والانتاج المحلي لمستلزمات الحياة الاولية والكف عن الاستيراد المرهق وتطوير الصناعة ليصمدوا امام السنين العجاف والحروب التي سئمنا منها وكأن الشرق الأوسط خلق للفتن والحروب تحت سنابل وعروش حكمهم؟
أم أن دورهم يتمثل بالتحذير من المجاعة وكأن هذا هو أسمى خدمة يقدمونها لشعوبهم المنهكة بهم؟
هل هو هذا المرجو منكم بعد أن حملكم الله هذه الأمانة الثقيلة؟
أعيدوا النظر رعاكم الله في نهجكم قبل ان يدرككم الطوفان،فالحذر ثم الحذر، فثورة الجياع والذي تخذرون من وقوعه وخازنكم خاوية، فهي من أعتى الثورات التي لاتصمد أمامها اي حكومة مهما تحصنت بأمنها ومخابراتها وطاقم حمايتها فهي كالطوفان الذي يحطم اضخم السدود ويجتاح الحدود ويحيل كل ما يعترضه الى هشيم وكأعجاز نخل خاوية…
سر بقائكم وأمنكم هو من أمننا ونحن في مركب واحد فلا تغرنّكم أموالكم ولا أولادكم ولا قصوركم ولا جوازات سفركم وطاقمكم ساعة الطوفان فمن تستقوون بهم سيتخلون عنكم عند ساعة الغرق ولكم في من سبقكم عظة وعبرة وآية..