23 نوفمبر، 2024 7:34 ص
Search
Close this search box.

إياد صادق.. الارتحال الأخير

إياد صادق.. الارتحال الأخير

أصدر القاص ” ودود حميد”،  ألبوماً احتوى على رسوم تخطيطية للفنان الراحل (إياد صادق) ، وتألف من (96 ) صفحة من القطع الكبير. يذكر القاص ” ودود حميد” في المقدمة عن الراحل( إياد صادق):”.. في هجرته إلى الأردن (عمان) اكتشف نافذة يطل منها على عالم أوسع.. ومن هناك أيضاً قذف بنفسه بعيداً إلى أقاصي الكرة الأرضية (فنلندا) ، ليتنفس الهواء الثلجي، لكنه نقيٌ لا تلوثه المنغصات والتابوات ، فوجد نفسه يرسم وينحت مندفعاً دون التفات إلى من يتعقبه.. فنمت قدراته الفنية المكبوتة، وتعززت شخصيته لدرجة اختياره معلماً فنياً لأولاد الفنلنديين. البيت الثقافي في البصرة ضيّفَ الفنان (إياد صادق)، خلال زيارته البصرة عام 2009 لإقامة معرض لرسومه وتخطيطاته ، وكان كرنفالاً جميلاً التقى فيه الفنانون والأدباء و المثقفون في البصرة  بالصديق  إياد صادق  بعد ان كان اللقاء مستعصياً .. وأودع جميع أعماله  المعروضة في المعرض لديَّ قائلاً: هذه هديتي  إليكم  وزعوها على الأصدقاء وكأنه يدري  بأننا لن نلتقِ ثانيةً .. حتى وافاني نبأ رحيله  في (فنلندا) فتناقلت الهواتف بحزن وأسى النبأ في البصرة وبغداد.. فقررت أن أقدم لكل متابعي الفن التشكيلي هذه الإبداعات وبعنوان(إياد صادق..الارتحال الأخير)* وان أتكفل بطبعها ملونة على شكل البوم فني وملون، لعلي أوفي الأمانة حقها.. ومن اجل أن يبقى الصديق والفنان (إياد صادق) دائماً في الذاكرة”. ولد الفنان إياد صادق عام 1943  وحصل على دبلوم أشغال يدوية ومعادن- بغداد، وعمل في التعليم في البصرة لغاية نهاية عام 1978 حيث اضطر لتركها مرغماً وهرباً من المتابعات الأمنية التي ميزت تلك المرحلة، واستقر مختفياً في بغداد، ثم عمل للحصول على هوية منتحلة وأسس ورشة لتصليح السيارات بصحبة احد أصدقائه.باتت تلك الورشة بمثابة (مأوى) للأصدقاء الهاربين من البصرة ومنهم القاص مجيد جاسم العلي الذي يكتب في الألبوم” في أيامي الأولى لخروجي من ((الجب)) بعد ان أمضيت خمساً عجافاً كأنهن الدهر، التقيت في صباح يوم ما الصديق (جاسم العايف) عبر سوق (المغايز) و قال ليَ عبارته المفعمة  بذلك الواقع المُر” عزيزي.. نلتقي اليوم و لربما لا نلتقي إلا بعد عشر سنوات.. فيما إذا بقينا أحياء”. ويواصل ( مجيد جاسم العلي): ” في بغداد تكفل إياد بأن اعمل في الورشة وان اتخذ منها سكناً ،  لحين تهريبي خارج العراق عن طريق كردستان، كما كان إياد وصديقه الكردي يخططان”. الفنان أياد صادق عضو مؤسس جاليري 75 في البصرة مع الفنان الراحل ناصر الزبيدي، الذي أسسه على نفقته الخاصة، واستقبل معارض تشكيلة شتى للفنانين( إبراهيم الجزائري، وهاشم تايه، وأبا ذر سعودي والراحل احمد الجاسم في معرض مشترك مع إياد صادق، ومعارض تشكيلية كثيرة لفنانين بصريين ، ومن جنوب العراق كذلك ، و لم يبقَ في البصرة من(جاليري75) الآن غير الأطلال. والراحل إياد عضو جمعية الفنانين التشكيلين العراقيين وعضو الرابطة  الدولية للفنون ومارس النحت  بخامات مختلفة منها الخشب،و الحجر ، و الغرانيت ، و الرخام، والجبس ، والبرونز ، والحديد ، وأقام معرضه الشخصي الأول عام 1965 ، وشارك في معارض تشكيلية عدة منها ، مهرجان المربد الأول/ 1970 ، معرض خاص في البصرة/ 1970 ومعرض الواسطي/ بغداد 1973 ،ومعرض في عمان على قاعة (كاليري الفينيق) وافتتحه الشاعر عبد الوهاب البياتي، وشارك في معرض الملتقى  الثاني  للنحاتين العرب في الأردن، وتزين منحوتة عملها أحدى الساحات العامة في (الأردن) بطلب من أمانة العاصمة (عمان) ،  ومعرض  متحف الفن الحديث في فنلندا عام 2000  ومعرض  بوسترات(درب الآلام) فنلندا ،ومعرض عن ذكرى مأساة مدينة (حلبجة) في هلسنكي ،ومعارض شخصية ومشتركة عالمية كثيرة، وعد بصفته (فناناً محترفاً متفرغاً للفن فيها) حتى توفى صباح يوم 18 آب 2009 في محترفه بفنلندا. كما صمم بعض أغلفة كتب أدباء البصرة في مرحلة السبعينيات منها مجموعة(12 قصة) بحلقتيها و(فتيات  الملح)المجموعة القصصية الأولى للقاص مجيد جاسم العلي  وعمل التخطيطات الداخلية لديوان( حلم وتراب) للشاعر مجهول المصير “ذياب كزار”/أبو سرحان/، وبعد سقوط النظام اعتمدت بعض تخطيطاته في الصفحات الثقافية لجريدتي المدى وطرق الشعب وغيرهما. وقد نشر في (الألبوم التذكاري)الفنان التشكيلي شاكر حمد مقالاً عنوانه( إياد صادق.. والمعرض الأخير)،و كتب فيه: لا استطيع أن أتأمل تخطيطات إياد ، وهي مجموعة كبيرة ، ما لم اشعر بأن هذه التفاصيل الدقيقة إنما هي التعبير الحقيقي عن رحلة المعانات والسيرة- البوهيمية. يوم جاء يعرضها في البصرة والمزحة – النبؤة التي تحققت: أريد أقدم آخر معرض لي في البصرة قبل أن أموت!!. و (التابوت الزجاجي) للقاص محمد خضير وجاء فيه : من بلاد الجليد رحل إياد صادق ، إلى عالم الظلال ، مخلفاً وراءه كائناته الورقية المخططة بقلم الحبر، تبحث عن ظلالها المفقودة  في موطنها الأصلي. عادت الأشكال الرقشاء والبقعاء لترتسم تحت قرص الشمس، ترفرف الحمائم حول هاماتها المرفوعة ، دلالة على انتصار الفنان على موته . بينما انطرحت أخر على الأرض، فريسة لعقبان كاسرة، تنقضّ عليها لتنهشها، دلالة على خمود الصراع الذي خاضه الفنان عبر المسافة بين الوطن والمنفى. و (الموعد) للقاص مجيد جاسم العلي وقصيدة نثر له أيضاً، وساهم القاص عبد الحسين العامر بمقاله المعنون (ذاكرة مكان.. وتخطيطات) وكان( العامر) يكتب بلوعة عن التواجد الأخير لإياد صادق في البصرة وزيارته  برفقة ودود حميد ومجيد جاسم العلي إلى مسكنه، وبقائهم يوما كاملاً في( بيت الورد) بقضاء أبي الخصيب. تبقى أعمال الفنان (إياد صادق) في ( الارتحال الأخير) والتي ضمت بعض أعماله التشكيلية و تخطيطاته الفنية، بقلم الحبر الأسود الذي أعتاده  كثيراً خلال حياته  في سنواته في البصرة حتى بات من علامته الفنية المتميزة والفارقة ، وما عمد لتقديمه القاص(ودود حميد) من مخلفات معرض (إياد صادق ) الأخير يرتبط بوشائج عدة في التعبير عن عذابات وحيرة الإنسان المستلب معتمداً فيها الفنان (إياد صادق) الخط المتقن عبر الدربة والتمكن وهو ما يجعل (الارتحال الأخير) وثيقة وفاء لعلاقة عميقة كانت بينهما وعبرهما مع كل أصدقاء( إياد صادق) و مدينة البصرة بالذات، وهو إحدى وسائل الكشف العلني عن علامات التعبير الفني التي ميزت منتجاته  الفنية المتقدمة والمستقلة بذاتها وانفراد موضوعاتها وأشكالها التخطيطية الفريدة لفنان عراقي- بصري رحلَ مغترباً ، في غير أوانه.
* شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة/البصرة-2012 / التصميم: حسين عجيمي

أحدث المقالات

أحدث المقالات