5 نوفمبر، 2024 8:31 ص
Search
Close this search box.

إهداء الكتب : بين الضرورة .. والاضطرار ؟ !

إهداء الكتب : بين الضرورة .. والاضطرار ؟ !

عندما يصدر لي كتاب جديد ، يصاحبني شعور بأني رُزقتُ بمولود جديد . قد يكون هذا الشعور مبالغاً فيه . لكنه موجود ، وهو شعور إنساني له ما يبرره . ولعلي لا 
أنفرد بهذا الشعور .
يقولون : أن الانسان يخلد في مواقع عديدة : العمل الصالح ، الابن الصالح . ويُضاف لذلك : كتاب ينتفع منهُ .
الوعاء الثقافي ..
الكتاب ، أي كتاب ، وعاء معلوماتي وثقافي . صحيح أن أوعية معلومات جديدة طُرحت في ساحة التداول ، أبرزها : الاقراص المدمجة (سي . دي) ، إلاّ أن الكتاب 
يبقى له حضوره الملموس ، ولأسباب عديدة ، أبرزها : (موثوقية) الكتاب ، وعدم حاجة قراءته إلى خدمات : الكهرباء مثلاً . بالاضافة إلى (نكهة) الكتاب .
على أية حال : نتفق على أن الكتاب وعاءٌ معلوماتي ثقافي ، له حيز ملموس في الساحة الثقافية خاصة ، والمكتبية عامة . ولكن كيف نصل الى (صنع) الكتاب ؟ . 
محطات عديدة أبرزها : جهد المؤلف . وهي محطة مهمة جداً . وبدون هذا الجهد لن يكون هناك كتاب . هل لاحظتم أصابع كاتبٍ ؟ إن فعلتم ذلك ستلاحظون أن القلم 
حفر في أصابعه ، وضعفتْ عيناه . وصرف من مداخيله المتواضعة جداً .
التوزيع ..
حَسَناً ، رغم هذا الجهد والمصاريف ، صدر الكتاب . وجاءت مرحلة أصعب .. مرحلة تتطلب جهداً ومعاناة . إنها : مرحلة التوزيع . فلا قيمة للكتاب يُؤلف ، إذا لم 
يُوزع . وتبدأ المعاناة الشديدة .
منافذ التوزيع أبرزها : المكتبات الأهلية . يحمل المؤلف كتابه ، ويتوجه نحو هذه المكتبات ، التي تفرض استلام الكتاب على صيغة (التصريف) . بينما المؤلف دَفَعَ 
تكاليف الطباعة : عداً ونقداً .
الاهداء .. وما
أدراك ما الأهداء ؟
ولكن : أياً كانت نتائج التوزيع من خلال المكتبات ، فانه (التوزيع) بهذه الصيغة ، يوفر عرضاً للكتاب ، بشكل شبه دائم . وهنا تحل صيغة توزيع : لها القليل ، وعليها 
الكثير . ونعني بها (الأهداء) . فما هو (لصالح الاهداء) يتمثل بوصول الكتاب الى يد قارئ . لكنه ، في بعض الاحيان ، ليس القارئ المعني . هذه هي الميزة ، ربما 
الوحيدة ، في توزيع الكتاب إهداءً .
لكن السلبيات كثيرة . ونتحدث بألم شديد عن (الاهداء) . بداية علينا أن نفرق بين (الاهداء) كضرورة مبررة ، والاهداء غير المبرر .
الاهداء .. الضرورة
نعم .. هناك ضرورة للاهداء . وأبرزها : تقديم الكتاب إهداء للمؤسسات الاعلامية ، خاصة الصحف . وعلى وجه الخصوص : محررو الصفحات الثقافية . هذا فرض 
مطلوب أداؤُهُ . وله مردود ايجابي للمؤلف . لأن ما يكتب صحفياً ، ويُعرض إعلامياً ، يقدم تعريفاً بالكتاب .
وهناك إهداءٌ يدخل ضمن صيغة (التعامل بالمثل) . فالذي أهداني كتابه ، يستحقني ديناً علي سداده . والاهداء المقابل ، يمثل تسديداً لهذا الدين ، أو لبعضه .
لكن (الاهداء) الذي يطلب من المؤلف ، ولو إيحاءً ، هو صيغة غير مقبولة ، وتؤدي إلى الحاق الضرر بالمؤلف ، حتى وان كان ذلك غير مقصود .
هذا الاهداء ، أو على وجه أدق وأوضح ، هذا (التوزيع المجاني) حالة سلبية مؤذية . فهي تقتل التوزيع عن طريق المكتبات أولاً ، وتشكل عبئاً مالياً على المؤلف ثانياً 
، وتجعل الكتاب يصل الى قارئ غير معني ثالثاً . أصارحكم بالقول :
أنني أفرح واكون سعيدا عندما يشتري قارئٌ كتابي . لا أقصد الجانب المادي ، على أهميته ، ولكن من يشتري كتاباً ، لابد أن يكون بحاجة إليه ، وبالتالي لابد أن يقرأه 
. وفي ذلك مكسب كبير لي كمؤلف : حصلتُ على قارئ إشترى الكتاب ، ودفع ثمناً ، وقرأ الكتاب .
نماذج مُدانة
لكن الذي يستلمُ الكتابَ إهداءً ، و لا تربطه صلة بمضمون الكتاب ، فمن المحتمل بأنه لن يُتعب نفسَهُ ، ويقرأ الكتاب .
وبألم كبير أشير الى ظاهرة مزعجة جداً ، وفيها إساءآت كبيرة لرموز ثقافية . حيث نجد كتباً لهذه الرموز أهدتْها لهذا المثقف أو ذاك ، وقام ببيعها ولم يكلف نفسه رفع 
الاهداء ، وهي الآن معروضة على الرصيف ، إن لم نقل تمسها الاقدام ، في شارع المتنبي .
والخلاصة : إهداء الكتاب من المؤلف الى من يراه ، ضرورة لها ما يبررها ، ولكن يجب أن تبقى مساحته (أي الاهداء) ، محدودة ، والاّ تصبح عبئاً مالياً ومعنوياً على 
المؤلف وكتابه .
و.. حديث الاهداءآت يطول .

أحدث المقالات

أحدث المقالات