تعقيبا على بوستين مؤثرين لإعلاميين مبدعين هما روان الضامن واحمد عاشور ، خلاصتهما أن قناة الجزيرة الفضائية أصدرت أمرا بتسريح المئات من منتسبيها خلال 24 ساعة ، أقول أن الإمبراطوريات الإعلامية كنظيراتها التأريخية تسقط لتتشكل على أطلالها ممالك وإمارات جديدة برؤى وأهداف ورؤوس أموال جديدة أيضا قد تكون متحالفة فيما بينها أو متخالفة .عموما مؤلم الى حد الوجع ان تذوي وتنطفئ جذوة أية مؤسسة إعلامية متميزة ونشطة حول العالم ، بعيدا عن ذكر الأسماء والعناوين ،وبصرف النظر عن القناعة برؤيتها ورسالتها واهدافها أم لا ، عربية كانت أم أجنبية ، سواء أكان ذلك التميز في الشكل او في المضمون ، أكان الإبداع ورقيا أم اذاعيا أم تلفزيونيا أم إلكترونيا ، والأسباب المعلنة التي تلي نعي المؤسسات التي كانت منارا ذات ظلام ولاشك بعد وفاتها أو انتحارها بل واحتضارها ايضا عادة ما تتلخص ( انا شخصيا شهدت وفاة العديد من تلكم المؤسسات الرصينة وكنت احد مشيعييها الى مثواها الأخير.. الى هناك حيث مقبرة الذكريات ووووو الأرشيف ، منشدا كالمعتاد على ما تبقى من أطلالها رائعة أمرؤ القيس : قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل) أقول ان المعلن في ديباجة نعي المؤسسات الإعلامية على الدوام هو ” تضييق الحكومات ، نقص الموارد ، ضعف التمويل ، انصراف المعلنين والمتابعين ، فيما لم اصدق يوما تلكم الأكاذيب وان كانت واقعا لا خيالا ، أتعلمون لماذا ؟ لأن نقص الموارد وانصراف المعلنين وجمهور المتابعين فجأة وانحسار التمويل بعد العز والهيلمان انما هو نتيجة وليس سببا ، بمعنى ان الانصراف كان تحصيل حاصل لتغيرات داخلية واخرى خارجية ألقت بظلالها على واقع المؤسسات المحتضرة ، تغيرات في سياسة المؤسسة ذاتها او تغيرات في محيطها الإقليمي ما جعل – البك بوس – الذي نطلق عليه عراقيا مصطلح – ابو الخبزة او صاحب رأس المال – شخصا غير مرغوب فيه من قبل مموليه الأعلى مرتبة والأفحش ثراء ، ربما لأنه اصبح ورقة محترقة وبات يغرد خارج السرب ويزأر لوحده بعيدا عن القطيع و يعوي كالذئاب بعيدا عن الجو العام والخاص على حد سواء . وانوه الى ان – عرابي – المؤسسات الإعلامية الكبار كرؤساء الدول تماما لا يشفع لهم مكوثهم بخدمة رؤوس الأموال – ذات المزاج المتقلب والمصالح والتحالفات المتغيرة – ولو لسنين طوال ، ولن يعصمهم أداء فروض الطاعة والولاء من انقلاب عسكري او حصار اقتصادي او ربيع عربي يفرض عليهم و يزعزع عروشهم في اية لحظة بعدما تتبدل توجهات النظام العام في المنطقة التي تعمل المؤسسة ضمن رقعتها وتخاطب جمهورها .انا لا أقرأ صرف المئات من كوادر مؤسسة عملاقة كالجزيرة يمهد ولاشك لإغلاقها قريبا جدا وربما بيعها وإبتلاعها على انه – نقص في الموارد – او دخول السوشيال ميديا على خط المنافسة ..ابدا ، وانما أقرأه على انه سحب البساط من دولة قطر وعاصمتها – الجزيرة – لصالح دولة اخرى قد تكون بعيدة عنها او بالقرب منها انيطت بها مهام القيادة العليا حاليا ، أقرأه على انه شمول ” الجزيرة ” بعاصفة صحراء مالية لذات الأسباب او لأخرى ، أقرأه على انه نفي لخبراتها الى أرض الشتات – الدياسبورا – وتفتيت إمبراطوريتها الى دويلات قد تكون متناحرة فيما بينها مستقبلا بما تمتلك من خبرات كبيرة هنا وهناك وقد تكون متآلفة ، أقرأه على انه تقسيم لها الى اقاليم اعلامية تتوزع على خارطة العالمين العربي والإقليمي الذي يواجه بدوره خطر التقسيم بمسميات جديدة وبأجندات مختلفة ستوظف خبرات كوادر الجزيرة المتراكمة لخدمة رؤوس أموال واعدة لها رؤية قد تقترب من رؤية المؤسسة الأم التي كانوا يعملون لصالحها وقد تتقاطع معها جملة وتفصيلا ، صراع يراه البعض بعيدا وأراه قريبا قد يحمل اجندات ( سنية ، شيعية ، كردية ، عربية ، مسيحية ، اسلامية، يهودية ) أجندات سياسية او ايدولوجية للسيطرة على تركة الإمبراطوريات الإعلامية الآفلة وعلى الصعد كافة ، تقسميها الى إمارات اعلامية جديدة قد تكون خليجية وقد تكون إقليمية مضافا لها عربيا ، مصر ولبنان ، حصرا لما يمتلكان من ارث إعلامي كبير وخطير والباقي خارج خارطة تشكيل الرأي العام ….ولا أقول نقل الخبر !!واختم بأن الإمبراطوريات الصحفية عندما تتفتت ستظهر على أعتابها لا محالة ممالك قد تدخل في كونفدراليات فيما بينها و قد يتحد بعضها مع بعض اتحادا اندماجيا او فدراليا ، والعاقل الفطن هو من يتنبه لهذه الطاقات المستغنى عن خدماتها ويحتضنها او يحيدها ويوظفها لصالحه ولو من بعيد ، فيما تدخل البقية الباقية في تحالفات شكلية او صراعات لإثبات الوجود لا تخلو من خسائر وإنتصارات لهذا الطرف أو ذاك ، وقد يتهادنان ويدخلان في صلح هش قابل للنقض ان عاجلا ام آجلا .وهناك إحتمال قائم لا أستبعده يتلخص بوجود نية مبيته لإلحاق جميع المؤسسات الإعلامية العربية المؤثرة بضمنها العراقية ” الشرقية ، البغدادية ، السومرية ، دجلة ، وغيرها ” او لنقل إبتلاعها عبر ثقب أسود وتشكيل إمبراطوريتين او ثلاث لا أكثر يتزعمها الميليادير الماسوني المصري ، نجيب ساويرس ، الذي تقدر ثروته الإجمالية بـ 3.1 مليار دولاربحسب مجلة” فوربس ” لعام 2015 والذي يمتلك قناة “أون تي” وصحيفة المصري اليوم ، والملياردير السعودي الوليد بن طلال، الذي تفوق ثروته 32 مليار دولار وهو ثاني أكبر مساهم في مؤسسة نيوز كورب التي يرأسها امبراطور الإعلام اليهودي ، روبرت مردوخ، كما يمتلك طلال قناة (العرب) الفضائية التي يتفاوض حاليا على ان تبث من دولة قطروقبل أيام من تسريح كوادرها غير المسبوق !! وله اسهم في ميديا سيت وسي أن أن وفوكس .خلاصة القول يتجسد في حكمة لم يستفد منها احد على مر التأريخ الا بعد وقوع الكارثة ، حكمة خالدة مفادها ” أكلت يوم أكل الثور ..الأبيض ” والعاقل يفهم