ينقل التاريخ لنا كثيرا من التوصيف الدقيق التصويري, عن قيام حاكم روما المجنون ” نيرون” بإحراقها وجلوسه على تلة عند أطرافها.. فقط للتمتع بالمنظر!
بالرغم من كل ما ينقل عن عقد نفسية لهذا الحاكم الروماني منذ طفولته يتعلق ببغضه لوالدته.. وما رافق ذلك لاحقا من شذوذ وإنحراف ومجون ورغبة بالتدمير.. لكن القضية في محورها العام تمحورت حول الرغبة بالسلطة والحكم لا أكثر!
لا يمكن تجاوز أهمية البصرة الحيوية للعراق كدولة وشعب, فهي متنفسه ورئته البحرية الوحيدة, بالرغم من كل ما تعرضت له من إقتطاع وتضييق بعد حرب الكويت الأخيرة.. ناهيك عن إحتوائها على معظم ثروته النفطية الأهم, والأسهل إستخراجا والأقل كلفة, وقربها من خطوط التواصل البحرية التي تربطه بكل دول العالم المعروفة, وتشكل وضعية البلد الإقتصادية على وجودها كمحور ومنطلق.
كثافتها السكانية العالية وعدد مواقعها النيابية, أتاح لها بعد بغداد أن تكون مؤثرة في شكل الحكومة والحاكم في بغداد, ودفع كل الأحزاب والتيارات لتتنافس عليها, بشكل محموم ضمن أطر القانون أو خارجه.. بشرف وفروسية أو بالضرب تحت الحزام والتشويه مهما كانت نتائج ذلك.
ميزتان أخريان إكتسبتهما المدينة, أولاهما, كثرة الموارد التي يمكن أن ” ينتفع منها” أي حزب يضع ممثلا له على رأس هذا “المورد” .. فمن المنافذ الحدودية وصولا للموانئ وغيرها.. وأما الأخرى فتتعلق بكونها صارت ممرا مهما للتهريب بين عدة دولة في المنطقة تشمل مواد لا تبدأ بالبضائع العادية ولا تنتهي بالمخدرات والأسلحة.. وهي تجارة تدر ملايين الدولارات ولا يمكن الإستهانة بها.
تناوبت على حكمها عدة جهات , بدأ من الفضيلة وصولا للدعوة والمجلس الأعلى, وكلها لم تحقق شيئا يوازي ما تقدمة البصرة للعراق له, أو ما يستحقه أهلها.. بالرغم من مرور فترات صادفت وفرة مالية كان يمكن أن تحقق نقلة نوعية جبارة, وخصوصا في فترة حكم حزب الدعوة للمحافظة ووجود حكومة مركزية تنتمي لنفس الحزب!
تشتعل هذه الأيام حرب “إعلامية” مستعرة, تنافسا على منصب محافظ البصرة, خصوصا مع إقتراب وصول ميزانية العام 2019, وما يمكن أن تنجزه للمحافظة لمن يريد خدمتها حقا ويمكن أن تعطيه حظوة لدى أبنائها, وتمنحه مقاعدها مع إقتراب الإنتخابات المحلية.. أو من مبالغ وتمويل و” كومشنات” يسيل لها اللعاب للأحزاب و الأفراد الذين يرغبون بإقتناص الفرصة!
محافظ البصرة الحالي الذي جاء مستقلا, والتحق بإتلاف النصر فيما بعد, وبالرغم من فوزه بمقعد نيابي سعى له ” لخدمة المحافظة ونيل حقوقها مركزيا” هكذا سوق خلال حملته الإنتخابية.. يبدوا أن رأيه إختلف وكأنه توا تنبه لأهمية المحافظة الإستراتيجة, أو ربما للموضوع علاقة بقرب إطلاق ميزانية المحافظة الضخمة.. فيما يحاول تحالف الحكمة- سائرون إستبداله بمرشح اخر, رغم أنهم هم من جاء به للمحافظة, وكأنهم ندموا على خيارهم أو إكتشفوا أنه ليس أهلا للموقع الذي اختير له؟!
المحافظ من جانبه أتكا على حزب الدعوة وقوته التمثيلية في مجلس المحافظة فراح يهاجم الحكمة ويلمزها هنا وهناك, ويلمح لمحافظها السابق الذي جاءت به “النصراوي” والذي صار البصريون يترحمون عليه وعلى أيامه الأن كما يبدوا في مفارقة تحير كل مراقب في كيفية تغيير مزاج المواطنين!
جهات كثيرة ثانوية دخلت على خط التنافس على الموقع رغم أنها لا تطمع بنيله مطلقا لأنها أصغر من أن تنافس عليه.. لكنها تميل لمن يضمن لها بقاء ” إقطاعيات النفوذ” التي تمول بها نشاطاتها.. وهذه لن تزعج المتنافسين لكنها ستبتزهم أكيدا.
تسريبات هنا وهناك عن وجود تأثيرات خليجية تسعى لإغراق الحكومة العراقية في مستنقع مشاكل في البصرة, كخطوة ذكية لإيقاف مشروع ميناء الفاو الكبير أو في الأقل عرقلته.. ورأي اخر يقول, أن طريق ” حرير المخدرات” يمر بالبصرة ويجب إبعاد أي معرقل يمسه أو من يتعامل بها أو وسطائها المحليين, هي الأمور الأخطر.. والغريب في الموضوع أن كل المتنافسين لم يتطرقوا لهذا الموضوع ولو نفيا له!
عمار الحكيم “غرد” مسوقا لفكرة أن يكون المرشح يجب أن يكون مرضيا عنه من أهل البصرة وأن يتم إنصاف المحافظة إتحاديا.. لكن هل سيسمح له منافسوه في حزب الدعوة أن ينجح في البصرة! وكيف سينجح.. فهل لديه مرشح بصري بمواصفات عبطان مثلا ليقدمه لها! أم سيكرر خطأه السابق ويقدم مستقلا ومن أبناء البصرة, لا يحقق شيئا وينقلب عليه مرة أخرى!
بعيدا عن كل تلك التحليلات والتوقعات, أثبتت البصرة تاريخيا أنها مفتاح لكل أحداث العراق, فأي فتنة أو حركة إصلاحية أو تخريبية بدأت فيها عمت العراق كله, بل ووصل أثرها لمناطق ودول محيطة.. والنار التي تشعل في البصرة ستحرق العراق كله, بل وربما تمتد للمنطقة.. فإياكم وإحراق البصرة!