ما جرى وما يجري في الساحة السياسية، وفي المجتمع العراقي، يكاد يكون مدهشاً، غريباً، مؤلماً، إذ يتضح ذلك من خلال ممارسات خاطئة لكثير من السياسيين، ومن خلال النتائج المهلكة لأفعالهم في الواقع العملي، التي هي خير برهان على فشل سياساتهم، مؤديةً إلى انحسارهم ومن ثم إلى نهايتهم، كما انتهى الذين من قبلهم، ولهذا سوف ينطبق عليهم القول المأثور: أنهم يحفرون قبورهم بأيديهم. الشيء الغريب في الأمر، أنهم لا يرون أن أقدامهم باتت وكأنها تنزلق شيئاً فشيئاً بعيداً عن مراكزهم ونفوذهم وربما عن الخريطة السياسية، وهي نتيجة طبيعية لتصرفاتهم غير الحكيمة، غير المدروسة، التي تنم عن قصور عقولهم ووعيهم المحدود، وغرورهم بالسلطة والمال والنفوذ، وقد حذر الله تعالى من هكذا حالات بقوله: ((فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ))، لكنهم لا يقرؤون، وإذا قرأوا لا يتعظون. إن سياساتهم البائسة، الغامضة، ومواقفهم المتأرجحة، وانعدام الرؤية الواضحة لإدارة الدولة، قد أفرزت كثيراً من المشكلات والمخاطر في المجتمع، منها خلق علاقات غير عادلة في التعامل مع الأفراد، مما أدى إلى استمرار الفساد والمحسوبيات والسرقات، بل إلى زيادتها. فضلاً عن ذلك حصول ذلك الانشقاق والتباعد الكبير الذي يفصل أصحاب السلطة والنفوذ عن بقية الناس العاديين، الأمر الذي أدى وسيؤدي إلى احتجاجات المظلومين والمستضعفين عموماً.
*باحث وأكاديمي عراقي
إن الثقافة والمبادئ التي يحملونها (إن كانوا يحملون شيئاً منها)، فهي لم تتحول إلى سلوك وممارسة، لأن المواطن العادي، يمكنه أن يرى بسهولة ويسر، مدى التناقض والفرق بين الأفكار التي يؤمنون بها وبين تصرفاتهم وما يملكونه، وما يستمتعون به من نفوذ وسلطة ومال.
ثم هل كان وجودهم في السلطة، إيجابياً في المجتمع؟!… هل أفادوا المجتمع؟!… هل كانوا سبباً في رفع الظلم عن الناس وسبباً في حصولهم على عيش كريم؟!… وهل منعوا الظلم والضرر عن الناس أو خففوا من آلامهم ومعاناتهم؟!
إن محبة الناس للسياسيين، لا تأتي مما يحوزوه من سلطة ومال، أو مما يحتلونه من مكانة في المجتمع، إنما تأتي من شرط ضروري هو إفادة الناس مما يمتلكه هؤلاء من سلطة وقوة ونفوذ.
وليعلم هؤلاء الساسة أن السلطة أو المال إذا لم يعودا على المجتمع بالنفع (بالطرق السلمية والشرعية) فإنهما سيكونان سبباً في حقد الناس عليهم وكرههم لهم والتربص والإيقاع بهم في أول فرصة سانحة، كما يقول يوسف ميخائيل أسعد في كتابه “أعداؤك كيف تنتصر عليهم”.
ومن المؤسف والمحزن أن نلاحظ أنهم لا يكترثون أو ربما هم يستمتعون، وهم يشاهدون غيرهم في فقر وجوع أو بؤس، وإذا أشفقوا عليهم فإنما يقدمون إليهم الشيء اليسير، كما يقدمون القليل جداً للمشمولين في شبكة الحماية الاجتماعية، وكأنهم يريدون أن يشعروا هؤلاء المشمولين بعظمة وعطف السياسيين عليهم.
كما تضع السلطة كثيراً من العقبات في طريق إنجاز معاملات الناس في الدوائر الرسمية أو في سبيل رفع الظلم عن بعضهم، أومن أجل قضاء مصالحهم، وكأن السياسيين يستشعرون القوة عندما يشاهدون غيرهم يتعذب أو هو في ضيق وقد سدت أمامهم المسالك والسبل.
فبئس لسلطة تأتي لمن يحرم الآخرين من خير يسد حاجة أو يقضي مصلحة، أو نفع يعود إلى المظلومين والمستضعفين.
وبئس لسلطة لا تستطيع أن تتطلع إلى المستقبل ولا تستطيع أن تتوقع بعضاً من الأحداث القادمة.
وبئس لسلطة لا تضع الرؤى والخطط لزيادة الوعي في المجتمع وبناء المستقبل، والاعتماد على المفكرين والعلماء والمخلصين في ذلك، إذ ما زلنا نجد هؤلاء السياسيين منخرطين بتحليلات وحوارات لا تمتلك الرؤية السليمة ولا الخطط البعيدة المدى، وما زالوا أيضا منغمسين في تسجيل نقاط ضد بعضهم البعض وتقويض كل طرف للآخر. ويغلب عليهم غموض السياسة والمواقف المتأرجحة…
هذا الزمن لا مكان فيه للغموض أو المساومة والمجاملة وسياسة الترضية وإضاعة الوقت…
وأخيراً، القبور التي حفروها بأنفسهم سوف لن تنتظر الجماهير المظلومة، المحرومة، طويلاً حتى تقوم بدفنهم فيها.