23 ديسمبر، 2024 1:54 م

إنها مفوضية مستقلة للانتخابات .. حذاري يالجنة الإختيار!!

إنها مفوضية مستقلة للانتخابات .. حذاري يالجنة الإختيار!!

بعد عاصفة الاستجواب التي عصفت بمفوضية الانتخابات العراقية وألقت بظلالها على مجمل بانوراما الاستجوابات في العراق وحرفت مسارها من وسيلة حضارية تندرج في باب البحوث الاستقصائية الى ساحة للمهاترات السياسية والحملات الدعائية لكتل وشخصيات في الراهن العراقي .. بعدما هدأت العاصفة وانجلت عن غبرة كان فارسها المقدام إمرأة هي حنان الفتلاوي ممثلة لدوري سياسي بارع ، لم يهزم الخصم (مجلس المفوضين ) المتهم بالفساد ولم يثبت شئ يذكر غير تشكيل لجنة لاختيار اعضاء مفوضية جدد وأقسم المستجوبون _ بالكسر – أن لا تمارس أي فعالية انتخابية في ظل المجلس المتهم ، كسابقه الذين اتهموهم بالفساد وظلوا يمارسون مهامهم الى أن صدر حكم بالعفو عنهم .. وهكذا دواليك ..
إن هذا المشهد الحزين الذي تتسم به أهم مؤسسة من مؤسسات الديمقراطية في عراق اليوم ، يضطرنا للتوقف والتأمل في أخطبوطية الكتل السياسية العراقية ومدى ابتعادها عن الممارسة الديمقراطية في الطرح والتناول لموضوعات الراهن العراقي ، فمفوضيات الدول المتقدمة أو الناهضة حتى ، هي أشبه بمنظمات المجتمع المدني التي يتم إختيارأعضائها وفق آليات التوجه المدني والممارسات الحضارية التي تحكمها المعايير الدولية والحقوق الانسانية، ولاتمنح كهبة للكيانات السياسية حتى للفائزة بالانتخابات منها، لأن هذه المؤسسة أقصد مفوضية الانتخابات ببساطة هي حاضنة لوليد الديمقراطية والتي لاترتبط نشاطاتها بهذه الكتلة أو تلك ولايتدخل في تشكيلها هذا المكون أو ذاك، ولايمكن تلوينها بألوان سياسية او جهوية او قومية ، فهي المؤسسة الوحيدة التي يجب أن تظل حاكما بين الصراعات وحاسما للخلافات بآليات حضارية شرعها الدستور والقانون والمواثيق الدولية ، كالقضاء تماما مع اختلاف الوظائف والادوار ، وهكذا يتهيكل البناء الديمقراطي للدولة على أسس التداول السلمي للسلطة..
أقول هذا بمناسبة بروز مؤشرات للخلاف بين الكتل على اللجنة المكلفة باختيار أعضاء المفوضية وابتداء تشكيلها �ء تشكيلها على أساس المحاصصة الحزبية والطائفية مما ينذر بخطر شديد يشير عكس بوصلات التجربة المريرة آنفة الذكر ، حيث تباشرنا خيرا بداية الأمر – كمراقبين للشأن العراقي – حينما ذكرت اللجنة النيابية المكلفة باختيار مفوضية جديدة للانتخابات في العراق أنها عقدت أول اجتماع لها لوضع الآليات والضوابط الخاصة بالمرخاصة بالمرشحين لعضوية المفوضية، معبرة عن أملها بالانتهاء من عملها قبل موعد انتهاء عمل المفوضية الحالية في نيسان/أبريل 2012.. لكن لحد الآن الأمر لايبشر بخير كماسترى..
لم ينجح الائتلاف الذي يقوده رئيس الحكومة نوري المالكي بحجب الثقة عن مفوضية الانتخابات بعد ان صوت المجلس بمنحها الثقة مجددا بعد عدة جلسات استجواب كانت بطلب من عضو ائتلاف دولة القانون حنان الفتلاوي في تموز/ يوليو الماضي، والتي بذلت جهدا كبيرا ومؤثرا في عملية الاستجواب رغم تحفظاتنا على بعض مفاصل الاستجواب التي أرشدها اليها (العراب مقداد الشريفي ) – كما ذكرت لنا المصادر الموثوقة – فقد أخطأت بطلتنا في اختياره كعراب لأنه جزء من المشكلة – وفقا لتلك المصادر – وهذا مايسبب الانتقائية في طرح الاشكالات في الاستجواب وتغطية كثير من المشاكل التي يكون هو وغيره ممن يسيرون على طريقته ، السبب الرئيس فيها ، كما ان الاستجواب أغفل كثيرا من الاشكالات التي كان سببها مدراء عامين وموظفين جاءت بهم المحاصصة المقيتة وعاثوا فسادا في المفوضية ولاحقوا الاكاديمين وتدخلوا في مفاصل عملهم بل وقادوا مجاميع التجسس على بعضهم البعض وعلى المستقلين من الموظفين .. وهو ماأغفله الاستجواب عن قصد أو عن غير قصد أو سكت عنه مما يحتم تنقية هذه المؤسسة منهم ومن أعمالهم وارتباطاتهم الحزبية والبوليسية المشبوهة..
المهم لقد أسمى ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي تجديد الثقة بـ”الباطلة”، وأكد أنه سيتحرك لتغيير المفوضية الحالية بعد أن “فقدت مصداقيتها من خلال تشريع قانون لتشكيل مفوضية بديلة”. ، ووصفت بعض الكتل السياسية ومفوضية الانتخابات آلية الاستجواب وطريقته بالـ “مسيسة” على اعتباره لم يتطرق إلى أساس عمل المفوضية بل اختص بالجوانب الإدارية والمالية..
ومن منطلق (من فمك أدينك) على الجميع أن يبدأوا بداية صحيحة باختيار أعضاء اللجنة المكلفة باختيار المفوضية الجديدة على أساس مهني ففي مجلس النواب كثير من الأعضاء المستقلين أو الذين عرفوا بحياديتهم ممن يمتلكون الشهادات العالية في تخصصات ادارية وقانونية وعلمية أخرى، ليتم وضع ضوابط ومعايير مهنية للاختيار الصحيح ، لكننا مع الاسف نجد أن حنان الفتلاوي التي تعتبر خصما أو طرفا في الصراع هي ضمن اللجنة المكلفة ، كما اننا نج؄لجنة علي العلاق ينتمي الى نفس الجهة التي قادت صراع الاستجواب العقيم!!
وقد بشرت النائبة حنان الفتلاوي إن “اللجنة النيابية المكلفة باختيار مفوضية جديدة للانتخابات في العراق والمكونة من 20 عضوا من كتل مختلفة مصممون على انجاز العمل قبل موعد انتهاء عمل المفوضية الحالية”. وأنها “ستضطلع بوضع آليات قبول مرشحي مجلس المفوضين، والمعايير المطلوبة، وفرز استمارات المتقدمين “. ، فماهي هذه الآليات والمعايير ومن يضعها وكيف سيتم فرز الطلبات ؟؟ أسئلة كثيرة لابد أن يجاب عليها وتخرج الى العلن ليشارك الرأي العام في صياغتها وتصويبها وان لاتبقى القضية وتفاصيلها في دهاليز الكتل المسكونة بالـ(التمثيل ) و(المحاصصة) و(الصراع) و(التباكي من أجل الجماهير) و(التحدث باسمها)..
وابتداءً صرحت لجنة (الخبراء) هذه أن “هناك قرابة 7 آلاف متقدم لعضوية المفوضية، لكن الكثير منهم لا تنطبق عليهم الشروط القانونية المتعلقة بالعمر والخبرة، فالبعض قدم على أمل الحصول على فرصة للعمل”.. وأن “لجنة الخبراء ستعقد اجتماعاً لها، وستحدد الآليات والضوابط التي ستعتمدها في المفاضلة بين المتقدمين لعضوية المفوضية العليا للانتخابات، وستعرض الأسماء لاحقا على مجلس النواب للتصويت عليها”.. حيث نلاحظ الرغبة في سرعة انهاء العملية وكأن شيئا أو اتفاقا مسبقا قد تم بين هذه الكتل التي تمثلها اللجنة المكلفة بالاختيار مما ينذر بخطر كبير كما قلنا يشير الى ان التجربة ستتكرر وأن بؤر الفساد والافساد الموجودة داخل المفوضية ستبقى على ماهي عليه ، وقد يحاصر المستضعفون المهنيون داخل المفوضية والذين لايستندون الى كتل سياسية وربما يتم استبدالهم بآخرين موالين للأحزاب و(تكمل السبحة)!!!
نعم ، وهكذا ، ترأس النائب علي العلاق اللجنة والنائب زياد الذرب نائباً للرئيس والنائب مؤيد الطيب مقرراً لها.. وانبرى النجيفي ليؤكد على ” ضرورة اختيار أفضل العناصر من ضمن المتقدمين لشغل منصب أعضاء المفوضية، ودعا إلى إشراك بعثة الأمم المتحدة في عملية الاختيار”.. ووصفت الكتلة العراقية البيضاء لجنة اختيار اعضاء مفوضية الانتخابات بانها شكلت على اساس طائفي.. وقال مقرر اللجنة أنه سيتم الاختيار وفق النزاهة والحيادية والكفاءة والمهنية.. وان الاعضاء السابقين لمجلس المفوضين لا يحق لهم التجديد مرة اخرى. وبين ان اختيار مجلس المفوضين التسعة سيراعى فيه تمثيل مكونات الشعب وحجم الكتل السياسية داخل مجلس النواب ، نافيا ان يكون اختيار عضو من دولة القانون رئيسا للجنة له اي تأثير على الطريقة الشفافة التي سيتم بها اختيار المفوضين التسعة..وإن الاختيار لابد أن يقوم على اساس المهنية والكفاءة حتى يتمكن العراق من اجراء انتخابات عادلة خلال الفترات المقبلة وأن العراقيين يأملون بأن تكون خلافات الكتل السياسية على اختيار الافضل لهم وللعراق لا أن يكون الاختيار على اساس التوافقات التي اخرت تقدم العملية السياسية على حد تعبيره.. ثم ان لعبة المكونات والتوافقات لاتجري على اصولها بل يراد منها هيمنة الكتل الكبيرة على المفوضية والا كيف نفسر عدم وجود اي تمثيل للمكون المسيحي رغم ان هنالك قرارا صادرا من المحكمة الاتحادية بضرورة تمثيل هذا المكون الامر الذي تجاهلته المفوضية الخالية وتعاد قضية التجاهل في ظل تصارع الحيتان على تشكيلتها الجديدة!
فهذه كلها تصريحات اعلامية يريد الرأي العام أن يتأكد منها ميدانيا اذ يوجد في مقابلها حقيقة ماثلة للعيان انه في ظل المحاصصة الحزبية والطائفية المعمول بها في البلاد فأنه من المستبعد اختيار اعضاء مجلس المفوضين من المستقلين سياسيا حيث ان القوى المشاركة في العملية السياسية متحفزة لاختيار من يمثلها في مجلس المفوضية هذا لخطورة دورها في الاشراف على الانتخابات العامة وكذا انتخابات مجالس المحافظات. . وهنالك من يتحدث عن ان شرط الاستقلالية السياسة وضع في شروط اختيار اعضاء مجلس المفوضية لابعاد صفة المحاصصة عنها. وان جميع عمليات الاختيار التي تمت لمجالس المفوضية السابقة قد تمت على اساس وجود ممثلين ينتمون الى الكتل السياسية في عضويتها استمراراً لنهج المحاصصة الطائفية والحزبية المتبع في اختيار جميع المناصب السيادية والادارية في الدولة وكذا في المؤسسات المستقلة التي تتبع مجلس النواب الذي يشرف على عملها.
وهذه اللغة في الخطاب خطيرة جدا لأنها مألوفة ولم تنتج السلبيات في المفوضية السابقة فحسب بل انتجت كثيرا من المشاكل في اختيار الهيئات والدوائر الحكومية ، وإلا كيف يمكن اعادة دعم وترشيح بعض الاعضاء من المفوضية السابقة حيث صرح مقرر اللجنة ان بعضا منهم قدموا بطلبات اعادة العمل في المفوضية الجديدة ، وهل ستسلم اللجنة من الضغوط السياسية لاعادة هؤلاء الذين شملهم الاستجواب وقضايا النزاهة ؟ وكيف يمكن اشراك الامم المتحدة التي يبدو من بيانها الاخير انها غير راضية عن سير عملية الترشيح والاختيار؟
اليوم لابد من هضم معطيات التجربة المريرة السابقة ، في التعامل مع مؤسسة وطنية مهمة كالمفوضية العليا للانتخابات العراقية ، وذلك عبر إبعاد عملية والية اختيار مجلس المفوضين الجدد عن أن تكون سياسية بالدرجة الاولى وان لايكون شرط الاستقلالية الموضوع مجرد ذر للرماد في العيون امام العراقيين الذين سئموا من محاصصة السلطة في جميع مرافقها في بلدهم الذي يعيش تغييرات سياسية منذ ثمان سنوات. . فهذه المفوضية الجديدة ستكون مهمتها خطيرة وكبيرة جدا ربما سيغير مسار العملية السياسية في البلاد ففي حال انجاز عملية اختيار مجلس المفوضين الجديد لمفوضية الانتخابات فأنه سيكون مكلفا بالاشراف على الانتخابات العامة الجديدة التي يؤمل ان تشهدها البلاد عام 2014 وقبلها الاشراف على انتخابات مجالس المحافظات المعطلة منذ عام 2009 وذلك خلال العام المقبل .
ما أكثر الأدلة على إفساد السياسة وسياسة الإفساد في العراق، لكن الحديث هنا ليس عن “مؤسسة الفساد” بشكل عام، وعن نفوذها في دهاليز المال والاقتصاد والإدارة، وامتداد إخطبوطها المرعب الى الحياة العامة . إنما يدور الحديث هنا عن فساد من نوع خاص يبدأ باختيار أعضاء لجنة على طريقة المحاصصة وتكلف هذه اللجنة باختيار أعضاء هيئة مهنية مستقلة ، حيث تسري هنا حمى المحاصصة والتوافقات العقيمة الى اللجنة الثانية بالتأكيد مهما بدت وصرحت اللجنة الأولى أنها ستكون مهنية في اختيارها ، والأخطر أن هذه الطريقة يعاد انتاجها مع أنها انتجت في السابق تشكيلة خطيرة امتدت خطورتها وصراعاتها الى صغار الموظفين في هكذا مؤسسة ، بالنظر الى دورها في توفير المناصب للفاسدين، وحمايتهم ومنع أي تقليص لنفوذهم، وتوفير الأجواء التي تسهل عملهم، وتهيء الأذهان لقبول هذا الواقع المؤلم..
فتشكيلة مفوضية الانتخابات التي أثيرت مسرحية الاستجواب ضدها والتي أنتجت هياكلها هذه الطريقة في الاختيار ، يعاد تشكيلها ابتداء بلعبة المحاصصة والتوافقات والمكونات وماالى ذلك من التسميات السياسية الموبوءة والتي باتت أشبه بالسرطانات التي تنخر عملية البناء وتعيق النهوض .. حيث ان النتائج المتوقعة تبدو من اختيار اعضاء اللجنة المكلفة بتشكيل المفوضية الجديدة ومن تصريحاتهم التي يشم منها رائحة الاتفاقات المسبقة والاستعجال في عملية انهاء الاختيار رغم الكفاءات التي تقرب من ثلاثة آالاف متقدم اذا ماأزحنا الباقين المخالفين لشروط التقديم.. ومازلنا في تيه وضبابية ازاء اعمال اللجنة حيث لم يعقد أي مؤتمر صحفي لحد الآن!!
أضف الى ذلك ماأخبرتنا به العصفورة من وراء الكواليس حيث يتم عقد صفقة بين اللجنة وبين الكتل السياسية فقد أكدت المصادر ان اللجنة طلبت تقديم ثلاثة مرشحين من كل كتلة ، من بين المرشحين، وطبعا ستختار الكتل من يتماشى مع هواها من المرشحين وتكمل السبحة مرة أخرى!!
وأخيرا.. نقول ان هذه المفوضية الجديدة لايرجو تشكلها السليم ، الشعب العراقي وحده ، بل حتى موظفوها الذين يتأملون أن يستقروا بأمان في عملهم وإسدال الستار على الصراعات والفئويات والمجموعات والاساليب الحزبية التي تمارس عليهم وأغلبهم من المستقلين الذين تلاحقهم فلول الاحزاب والكيانات السياسية والطائفية.. وعملية التنقية هذه لاتتم الا بكشف أعمال اللجنة المكلفة بالاختيار ابتداءً ووضوح جدول أعمالها واعداد المتقدمين وآليات الاختيار والمقابلات للرأي العام ووسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني.. كمانأمل أن نشاهد دورا للأمم المتحدة في هذا المجال..